وَ {وَاخْشَوْنِ} [المائدة: ٣] وَ {ادْعُونِي} [غافر: ٦٠] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَجَازٌ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ أَوْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ فِعْلِهِ أَوْ عَنْ فِعْلِ خَلْقِهِ بِهَا، مَاذَا يَقُولُ سُبْحَانَهُ حَتَّى يَكُونَ مُتَكَلِّمًا بِالْحَقِيقَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] وَ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: ١] وَأَضْعَافُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَجَازٌ، وَكَذَلِكَ فِي جَانِبِ الْخَبَرِ نَحْوَهُ {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} [البقرة: ٣٠] وَ {قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ} [آل عمران: ٤٢] وَ {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: ٣١] وَقَوْلُهُ {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البقرة: ٣٤] وَأَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ فِعْلٍ وَمِائَةِ أَلْفِ خَبَرٍ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ مَجَازًا عِنْدَكَ فَكَيْفَ يَصْنَعُ مَنْ أَرَادَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْحَقِيقَةِ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى انْتِظَامِهِ لِجَمِيعِ جِنْسِ الْمَصْدَرِ أَنَّكَ تَعْلَمُهُ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْفِعْلِ نَحْوَ قُمْتُ قَوْمَةً وَقَوْمَتَيْنِ وَمِائَةَ قَوْمَةٍ، وَقِيَامًا حَسَنًا وَقَبِيحًا.
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يُبْطِلُ قَوْلَهُ، فَإِنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْهُ مُطْلَقًا غَيْرَ عَامٍّ بَلْ صَالِحًا لِلْعَمَلِ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَالْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَيُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّكَ صَرَّحْتَ فِي آخِرِ كَلَامِكَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِصَلَاحِيَتِهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِلْعُمُومِ، فَبَطَلَ قَوْلُكَ: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِجَمِيعِ الْجِنْسِ، بِقَوْلِكَ: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ يَنْفِي الْمَجَازَ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْجَمِيعِ، وَهَذَا الَّذِي يَعْقِلُهُ بَنُو آدَمَ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكَ عَلَى ذَلِكَ بِأَعْمَالِ الْفِعْلِ فِيهِ فَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَرَّتَيْنِ وَالْمَرَّاتِ وَالْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ، فَإِنْ كَانَ إِعْمَالُهُ فِي الْعَامِّ، نَحْوُ: يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ، وَبَابُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ، فَهَلْ كَانَ إِعْمَالُهُ فِي الْخَاصِّ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ، فَمَا خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ حَيْثُ أُعْمِلَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِحَمْدِ اللَّهِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ: إِنْ قَامَ زَيْدٌ، بِمَنْزِلَةِ: خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ، تَعْرِيفُهُ هُنَا تَعْرِيفُ جِنْسٍ، كَقَوْلِكَ الْأَسَدُ أَشَدُّ مِنَ الذِّئْبِ، وَأَنَّكَ لَا تُرِيدُ خَرَجْتُ وَجَمِيعُ الْأَسَدِ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا الْوَهْمُ عَلَى الْبَابِ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ فَإِذَا وَاحِدٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ بِالْبَابِ، فَوَضَعْتَ لَفْظَ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا خَطَأً مِنْهُ وَوَهْمٌ ظَاهِرٌ يَنْقُضُ آخِرُ كَلَامِهِ فِيهِ أَوَّلَهُ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ هُنَا تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَهَذَا حَقٌّ.
فَإِنَّ التَّعْرِيفَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ تَعْرِيفُ الشَّخْصِ، وَتَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَتَعْرِيفُ الْعُمُومِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْرِيفَ الشَّخْصِ وَلَا تَعْرِيفَ الْعَامِّ قَطْعًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ حَقِيقَةٌ فِيمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ، وَلَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute