وَرُبُوبِيَّتَهُ، وَلَا مَا يَجْعَلُهُ الْمُعَطِّلَةُ مَعْنَى اسْمِ الرَّحْمَنِ مِنَ الْإِحْسَانِ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُنْكِرُوا إِحْسَانَ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا ذَكَرْتُمْ لَأَنْكَرُوا اسْمَ الرَّحِيمِ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ.
قِيلَ: إِنَّمَا لَمْ يُنْكِرُوا الرَّحِيمَ لِأَنَّ وُرُودَ الرَّحْمَنِ فِي أَسْمَائِهِ أَكْثَرُ مِنْ وُرُودِ الرَّحِيمِ.
وَلِهَذَا قَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] ، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: ٥٩] ، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} [مريم: ٤٥] ، {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ} [النبأ: ٣٧] {الرَّحْمَنُ - عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: ١ - ٢] وَإِنَّمَا جَاءَ الرَّحِيمُ مُقَيَّدًا كَقَوْلِهِ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣] وَقَوْلِهِ: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١١٧] ، وَمَقْرُونًا بِاسْمِ الرَّحْمَنِ كَمَا فِي الْفَاتِحَةِ، أَوْ بِاسْمٍ آخَرَ نَحْوِ: {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: ٩] وَأَيْضًا فَالرَّحْمَنُ جَاءَ عَلَى بِنَاءِ فَعْلَانَ الدَّالِّ عَلَى الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ اللَّازِمَةِ الْكَامِلَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ هَذَا الْبِنَاءُ نَحْوَ غَضْبَانَ وَنَدْمَانَ وَحَيْرَانَ، فَالرَّحْمَنُ مِنْ صِفَتِهِ الرَّحْمَةُ، وَالرَّحِيمُ مَنْ يَرْحَمُ بِالْفِعْلِ.
وَأَيْضًا فَلَا يَخْلُو إِنْكَارُهُمْ لِهَذَا الِاسْمِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى حَقِيقَةِ الرَّحْمَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَمَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فَقَدْ وَافَقَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَوْضُوعَ الِاسْمِ وَحَقِيقَتَهُ صِفَةُ الرَّحْمَةِ الْقَائِمَةِ بِمَوْصُوفِهَا، فَلَوْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الِاسْمِ مُنْتَفِيَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكَانَ طَعْنُهُمْ أَقْوَى، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِهِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَالْجَوْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالَّذِي أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ رَحْمَانًا عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ (جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ) وَشِيعَتُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: ١٨٠] .
وَمِنْ أَعْظَمِ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَائِهِ إِنْكَارُ حَقَائِقِهَا وَمَعَانِيهَا وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا مَجَازَاتٌ وَهُوَ أَنْوَاعٌ هَذَا أَحَدُهَا، الثَّانِي: جَحْدُهَا وَإِنْكَارُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، الثَّالِثُ: تَشْبِيهُهُ فِيهَا بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَمَعَانِي أَسْمَائِهِ، وَأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ مِنْهَا مُمَاثِلٌ لِلثَّابِتِ لِخَلْقِهِ، وَهَذَا يَذْكُرُهُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي كُتُبِهِمْ وَيَجْعَلُونَهَا مَقَالَةً لِبَعْضِ النَّاسِ، وَهَذِهِ كُتُبُ الْمَقَالَاتِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ مَقَالَةً لِطَائِفَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا الْمُعَطِّلَةُ الْجَهْمِيَّةُ يُسَمُّونَ كُلَّ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute