مَوْجُودٌ فِي اسْمِ الْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، وَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَعْقُولَ مِنَ الْعِلْمِ صِفَةٌ عَرَضِيَّةٌ تَقُومُ بِالْقَلْبِ، إِمَّا ضَرُورِيَّةٌ وَأَمَّا نَظَرِيَّةٌ، وَالْمَعْقُولُ مِنَ الْإِرَادَةِ حَرَكَةُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ لِجَلْبِ مَا يَنْفَعُهَا وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهَا أَوْ يَنْفَعُ غَيْرَهَا أَوْ يَضُرُّهُ، وَالْمَعْقُولُ مِنَ الْقُدْرَةِ الْقُوَّةُ الْقَائِمَةُ بِجِسْمٍ تَتَأَتَّى بِهِ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ فَهَلْ تَجْعَلُونَ إِطْلَاقَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَلَى اللَّهِ حَقِيقَةً أَمْ مَجَازًا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: حَقِيقَةٌ تَنَاقَضْتُمْ أَقْبَحَ التَّنَاقُضِ إِذْ عَمَدْتُمْ إِلَى صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ فَجَعَلْتُمْ بَعْضَهَا حَقِيقَةً وَبَعْضَهَا مَجَازًا مَعَ وُجُودِ الْمَحْذُورِ فِيمَا جَعَلْتُمُوهُ حَقِيقَةً، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ مَحْذُورًا فَمِنْ أَيْنَ اسْتَلْزَمَ اسْمُ الرَّحْمَنِ الْمَحْذُورَ، وَإِنْ قُلْتُمُ الْكُلُّ مَجَازٌ لَمْ تَتَمَكَّنُوا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ إِثْبَاتِ حَقِيقَةِ اللَّهِ الْبَتَّةَ، لَا فِي أَسْمَائِهِ وَلَا فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَفْعَالِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا انْسِلَاخٌ مِنَ الْعَقْلِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ نُفَاةَ الصِّفَاتِ يَلْزَمُهُمْ نَفْيُ الْأَسْمَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّ الْعَلِيمَ وَالْقَدِيرَ وَالسَّمِيعَ وَالْبَصِيرَ، أَسْمَاءٌ تَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ الصِّفَاتِ فِي اللُّغَةِ فِيمَنْ وُصِفَ بِهَا، فَاسْتِعْمَالُهَا لِغَيْرٍ مِمَّنْ وُصِفَ بِهَا اسْتِعْمَالٌ لِلِاسْمِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، فَكَمَا انْتَفَتْ عَنْهُ حَقَائِقُهَا فَإِنَّهُ تَنْتَفِي عَنْهُ أَسْمَاؤُهَا، فَإِنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَقَّ تَابِعٌ لِلْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، فَإِذَا انْتَفَتْ حَقِيقَةُ الرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، انْتَفَتِ الْأَسْمَاءُ الْمُشْتَقَّةُ مِنْهَا عَقْلًا وَلُغَةً، فَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحَقِيقَةِ أَنْ تَنْفِيَ الصِّفَاتِ وَالِاسْمَ جَمِيعًا، فَالْمُعْتَزِلَةُ لَا تُقِرُّ بِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْحَقِيقِيَّةَ تَسْتَلْزِمُ الصِّفَاتِ، ثُمَّ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ، وَيُثْبِتُونَ الْأَسْمَاءَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالُوا فِي الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُرِيدِ.
وَبَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ يُسَاعِدُ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ يَسْتَلْزِمُ الصِّفَةَ، ثُمَّ يَنْفِي الصِّفَةَ وَيَنْفِي حَقِيقَةَ الِاسْمِ وَيَقُولُ: هَذَا مَجَازٌ، فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ مَنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَتَنَاقَضُ فَيُثْبِتُ بَعْضَ الصِّفَاتِ وَحَقَائِقَ الْأَسْمَاءِ وَيَنْفِي نَظِيرَهَا وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ حَقِيقَةِ الِاسْمِ.
وَأَهْلُ السُّنَّةِ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ وَحَقَائِقَ الْأَسْمَاءِ، فَالْأَسْمَاءُ عِنْدَهُمْ حَقَائِقُ وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلصِّفَاتِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ أَظْهَرَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي افْتَتَحَ اللَّهُ بِهَا كِتَابَهُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ وَهِيَ مِنْ أَظْهَرِ شِعَارِ التَّوْحِيدِ، وَالْكَلِمَةُ الْجَارِيَةُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الَّتِي هِيَ مِفْتَاحُ الطَّهُورِ وَالصَّلَاةِ وَجَمِيعِ الْأَفْعَالِ، كَيْفَ يَكُونُ مَجَازًا؟ هَذَا مِنْ أَشْنَعِ الْأَقْوَالِ، فَهَذَانِ الِاسْمَانِ اللَّذَانِ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهِمَا أُمَّ الْقُرْآنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute