قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ» " فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اسْمَ الرَّحْمَةِ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمِهِ الرَّحْمَنِ تَعَالَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ رَحْمَتَهُ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الْأَصْلَ فِي الْمَعْنَى كَانَتْ هِيَ الْأَصْلَ فِي اللَّفْظِ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ حَسَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
فَإِذَا كَانَتْ أَسْمَاءُ الْخَلْقِ الْمَحْمُودَةُ مُشْتَقَّةً مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كَانَتْ أَسْمَاؤُهُ يَقِينًا سَابِقَةً، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَجَازًا لَكَانَتِ الْحَقِيقَةُ سَابِقَةً لَهَا، فَإِنَّ الْمَجَازَ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ قَدْ سُمِّيَ بِهِ الْمَخْلُوقُ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْخَالِقِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا.
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» " وَفِي لَفْظٍ (غَلَبَتْ) وَقَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤] فَوَصَفَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بِالرَّحْمَةِ وَتُسَمَّى بِالرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَنُو آدَمَ، فَادِّعَاءُ الْمُدَّعِي أَنَّ وَصْفَهُ بِالرَّحْمَنِ مَجَازٌ مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ.
الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّ أَسْمَاءَ الرَّبِّ قَدِيمَةٌ لَمْ يَسْتَحْدِثْهَا مِنْ جِهَةِ خَلْقِهِ، بَلْ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا، مُسَمًّى بِهَا، وَالْمَجَازُ مَسْبُوقٌ بِالْحَقِيقَةِ وَضْعًا وَاسْتِعْمَالًا وَمَرْتَبَةً، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُمْتَنِعٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: بَعْضُهَا مُسْتَعَارٌ مِنْ بَعْضٍ، وَفِيهَا الْحَقِيقَةُ وَفِيهَا الْمَجَازُ، وَمَجَازُهَا مُسْتَعَارٌ مِنْ حَقَائِقِهَا، كَالرَّحْمَنِ مُسْتَعَارٌ مِنِ اسْمِ الْمُحْسِنِ، وَذَلِكَ لَا مَحْذُورَ فِيهِ.
قِيلَ: هَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ عَوَارِضِ الْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَهُمَا مَعًا وَأَيًّا مَا كَانَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَى الْمَجَازِ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُسْتَعَارَ يَكُونُ فِي الْمُسْتَعَارِ مِنْهُ أَكْمَلَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَعَارِ لَهُ، وَأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِالْحَقِيقَةِ أَكْمَلُ مِنَ الْمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute