" «أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» " فَكُنَّ يُخْرِجْنَ أَيْدِيَهُنَّ لِيَعْلَمْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، فَلَمَّا سَبَقَتْهُنَّ زَيْنَبُ إِلَى اللَّحَاقِ بِهِ وَلَمْ تَكُ يَدُهَا الذَّاتِيَّةُ أَطْوَلُ مِنْ أَيْدِيهِنَّ عَلِمْنَ أَنَّهُ أَرَادَ طُولَهَا بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَتْ تُسَمَّى أَمَّ الْمَسَاكِينِ لِكَثْرَةِ صَدَقَتِهَا، وَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ، وَلِهَذَا فَهِمَ نِسَاؤُهُ مِنْهُ وَهُنَّ أَفْصَحُ نِسَاءِ الْعَرَبِ الْيَدَ الْحَقِيقِيَّةَ، حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُنَّ أَخِيرًا أَنَّهُ طَوُلُهَا بِالصَّدَقَةِ، وَهَذَا مِنَ التَّعْرِيضِ الْمُبَاحِ بِأَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا مُحْتَمِلًا لِمَعْنَيَيْنِ وَمُرَادُهُ أَحَدُهُمَا، كَقَوْلِهِ: " «نَحْنُ مِنْ مَاءٍ» "، وَقَوْلِهِ: " «ذَاكَ الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ» "، وَقَوْلِهِ: " «الْجَنَّةُ لَا يَدْخُلُهَا الْعَجَزَةُ» "، وَقَوْلُ الصِّدِّيقِ: هَذَا هَادٍ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، وَلَكِنْ لَا يُسْتَعْمَلُ طُولُ الْيَدِ بِالصَّدَقَةِ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ لَهُ يَدٌ ذَاتِيَّةٌ، فَسَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " «أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» " الْيَدُ الذَّاتِيَّةُ أَوِ الْيَدُ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِثُبُوتِ يَدِ الذَّاتِ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى مَا تُبَاشِرُهُ وَيَكُونُ بِهَا مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ، فَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا يُعَيِّنُ ذَلِكَ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُرَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ مَا يُعَيِّنُهُ فَهُوَ لِلْكِنَايَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْمَصْلَحَةِ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَنْفِي حَقِيقَةَ الْيَدِ لِلَّهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِيَدِ الْحَائِطِ فِي قَوْلَةِ لَبِيدٍ:
إِذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا
وَقَوْلِ الْمُتَنَبِّي:
وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدِيَ مِنْ يَدٍ ... تُخَبِّرُ أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ
وَقَدِ اسْتُعْمِلَتِ الْيَدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَوَاضِعَ حَقِيقَةً.
قِيلَ: لَا يَلْزَمُنَا هَذَا السُّؤَالُ لِأَنَّا قُلْنَا: مَتَى أُضِيفَتْ يَدُ الْقُدْرَةِ وَالنِّعْمَةِ إِلَى الْحَيِّ اسْتَلْزَمَتِ الْيَدَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مُطَّرِدٌ غَيْرُ مُنْتَقِضٍ وَهَذَا يَتَعَيَّنُ: بِالْوَجْهِ السَّابِعِ عَشَرَ: وَهُوَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي يَدِ الشِّمَالِ وَيَدِ الْحَائِطِ وَيَدِ اللَّيْلِ بَيَّنَتْ أَنَّ الْمُضَافَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute