نِعْمَتَيْنِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: لِي عِنْدَهُ يَدَاهُ بَيْضَاوَانِ ; وَلِأَنَّ فِعْلَتَهُ بِيَدِي لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْيَدِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ الذَّاتِ.
وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ لَمْ يَغْفُلْ عَنْ ذَلِكَ إِبْلِيسُ وَأَنْ يَقُولَ: وَأَيُّ فَضْلٍ لِآدَمَ عَلَيَّ يَقْتَضِي لَهُ وَأَنَا أَيْضًا بِيَدِكَ خَلَقَتْنِي، وَفِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَّلَ آدَمَ عَلَيْهِ بِخَلْقِهِ بِيَدَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ مَا قَالُوهُ.
فَإِنْ قَالَ الْقَائِلُ: فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ وَوَجْهُهُ جَارِحَةً إِذْ كُنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ يَدًا وَوَجْهًا هُمَا صِفَةٌ غَيْرُ الْجَارِحَةِ؟ قُلْنَا: لَا يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجِبُ إِذَا لَمْ نَعْقِلْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إِلَّا جِسْمًا أَنْ نَقْضِيَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ، وَكَمَا لَا يَجِبُ إِذَا كَانَ قَائِمًا بِذَاتِهِ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا لِأَنَّا وَإِيَّاكُمْ لَمْ نَجِدْ قَائِمًا بِنَفْسِهِ فِي شَاهِدِنَا إِلَّا كَذَلِكَ، الْجَوَابُ لَهُمْ أَنْ قَالُوا: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ وَكَلَامُهُ وَحَيَاتُهُ وَسَائِرُ صِفَاتِ ذَاتِهِ أَعْرَاضًا وَأَجْسَامًا وَأَجْنَاسًا أَوْ حَوَادِثَ أَوْ أَغِيَارًا لَهُ تَعَالَى وَمُحْتَاجَةٌ إِلَى قَلْبٍ، وَلَوْ تَتَبَّعْنَا الْقَوْلَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ لَزَادَتْ عَلَى الْمِائَتَيْنِ.
خَاتِمَةٌ لِهَذَا الْفَصْلِ
وَرَدَ لَفْظُ الْيَدِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي أَكْثَرِ مِنْ مِائَةِ مَوْضِعٍ وُرُودًا مُتَنَوِّعًا مُتَصَرَّفًا فِيهِ مَقْرُونًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يَدٌ حَقِيقَةً مِنَ الْإِمْسَاكِ وَالطَّيِّ وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَالْمُصَافَحَةِ وَالْحَثَيَاتِ وَالنَّضْحِ بِالْيَدِ، وَالْخَلْقِ بِالْيَدَيْنِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِهِمَا وَكَتْبِ التَّوْرَاةِ بِيَدِهِ وَغَرْسِ جَنَّةِ عَدْنٍ بِيَدِهِ وَتَخْمِيرِ طِينَةِ آدَمَ بِيَدِهِ وَوُقُوفِ الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَوْنِ الْمُقْسِطِينَ عَنْ يَمِينِهِ، وَقِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِهِ، وَتَخْيِيرِ آدَمَ بَيْنَ مَا فِي يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي» ، وَأَخْذِ الصَّدَقَةِ بِيَمِينِهِ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا، وَكِتَابِهِ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ، وَأَنَّهُ مَسَحَ ظَهْرَ آدَمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ وَيَدَاهُ مَفْتُوحَتَانِ: اخْتَرْ، فَقَالَ اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ، وَأَنَّ يَمِينَهُ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقِسْطُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ، وَأَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ يَطْوِي السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَطْوِي الْأَرْضَ بِالْيَدِ الْأُخْرَى، وَأَنَّهُ خَطَّ الْأَلْوَاحَ الَّتِي كَتَبَهَا لِمُوسَى بِيَدِهِ.
وَذَكَرَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ: يَا رَبِّ قَدْ أَعْطَيْتَ بَنِي آدَمَ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَيَلْبَسُونَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute