للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَوَجَّهَ بِهِ إِلَى رَبِّكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقَوْلُهُ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] أَيْ قِبْلَةُ اللَّهِ.

قَالَ الدَّارِمِيُّ: لَمَّا فَرَغَ الْمَرِيسِيُّ مِنْ إِنْكَارِ الْيَدَيْنِ وَنَفْيِهِمَا عَنِ اللَّهِ أَقْبَلَ عَلَى وَجْهِ اللَّهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ لِيَنْفِيَهُ عَنْهُ كَمَا نَفَى عَنْهُ الْيَدَيْنِ فَلَمْ يَدَعْ غَايَةً فِي إِنْكَارِ وَجْهِ اللَّهِ، ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْجُحُودِ بِهِ حَتَّى ادَّعَى أَنَّ وَجْهَ اللَّهِ الَّذِي وَصَفَهُ بِأَنَّهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ مَخْلُوقٌ ; لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ أَعْمَالٌ مَخْلُوقَةٌ يَتَوَجَّهُ بِهَا إِلَيْهِ، وَثَوَابٌ وَإِنْعَامٌ مَخْلُوقٌ يَثْبُتُ بِهِ الْعَامِلُ، وَزَعَمَ أَنَّهُ قِبْلَةُ اللَّهِ، وَقِبْلَةُ اللَّهِ لَا شَكَّ مَخْلُوقَةٌ.

ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ.

وَالْقَوْلُ بِأَنَّ لَفْظَ الْوَجْهِ مَجَازٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَجَازَ لَا يُمْتَنَعُ نَفْيُهُ، فَعَلَى هَذَا أَلَّا يَمْتَنِعَ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ وَجْهٌ وَلَا حَقِيقَةَ لِوَجْهِهِ، وَهَذَا تَكْذِيبٌ صَرِيحٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ خُرُوجٌ عَنِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ بِلَا مُوجِبٍ.

الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ حَيَاتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَلَامِهِ وَإِرَادَتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.

الرَّابِعُ: أَنَّ دَعْوَى الْمُعَطِّلِ أَنَّ الْوَجْهَ صِلَةٌ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى اللُّغَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لَيْسَتْ مِمَّا عُهِدَ زِيَادَتُهَا.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَسَاغَ لِمُعَطِّلٍ آخَرَ أَنْ يَدَّعِيَ الزِّيَادَةَ فِي قَوْلِهِ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَعُوذُ بِاللَّهِ، وَيَدَّعِي مُعَطِّلٌ آخَرُ الزِّيَادَةَ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

السَّادِسُ: أَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ إِلْغَاءَ وَجْهِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَأَنَّ لَفْظَهُ زَائِدٌ وَمَعْنَاهُ مُنْتَفٍ.

السَّابِعُ: مَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: لَمَّا أَضَافَ الْوَجْهَ إِلَى الذَّاتِ وَأَضَافَ النَّعْتَ إِلَى الْوَجْهِ فَقَالَ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] دَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْوَجْهِ لَيْسَ بِصِلَةٍ وَأَنَّ قَوْلَهُ: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] صِفَةٌ لِلْوَجْهِ وَأَنَّ الْوَجْهَ صِفَةٌ لِلذَّاتِ.

<<  <   >  >>