الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: ٦٩] فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُشْرِقُ بِنُورِهِ، وَهُوَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَأْتِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَيَنْصِبُ كُرْسِيَّهُ بِالْأَرْضِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تُشْرِقَ بِنُورِهِ، وَعِنْدَ الْمُعَطِّلَةِ لَا يَأْتِي وَلَا يَجِيءُ وَلَا لَهُ نُورٌ تُشْرِقُ بِهِ الْأَرْضُ.
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ فَإِذَا الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ وَقَدْ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: ٥٨] قَالَ: ثُمَّ يَتَوَارَى عَنْهُمْ وَتَبْقَى رَحْمَتُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ» ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، فَهَذَا نُورٌ مُشَاهَدٌ قَدْ سَطَعَ لَهُمْ حَتَّى حَرَّكَهُمْ وَاسْتَفَزَّهُمْ إِلَى رَفْعِ رُءُوسِهِمْ إِلَى فَوْقَ.
الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ بِتَسْمِيَةِ الرَّبِّ نُورًا، وَبِأَنَّ لَهُ نُورًا مُضَافًا إِلَيْهِ، وَبِأَنَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَبِأَنَّ حِجَابَهُ نُورٌ، هَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ، فَالْأَوَّلُ يُقَالُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِالْإِطْلَاقِ، فَإِنَّهُ النُّورُ الْهَادِي، وَالثَّانِي يُضَافُ إِلَيْهِ كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ حَيَاتُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعِزَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ وَعَلِمُهُ، وَتَارَةً يُضَافُ إِلَى وَجْهِهِ، وَتَارَةً يُضَافُ إِلَى ذَاتِهِ، فَالْأَوَّلُ إِضَافَتُهُ كَقَوْلِهِ: " أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ " وَقَوْلِهِ: " نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ "، وَالثَّانِي إِضَافَتُهُ إِلَى ذَاتِهِ كَقَوْلِهِ {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: ٦٩] وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " ذَلِكَ نُورُهُ الَّذِي إِذَا تَجَلَّى بِهِ "، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو " «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ» " الْحَدِيثَ. الثَّالِثُ وَهُوَ إِضَافَةُ نُورِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: ٣٥] وَالرَّابِعُ كَقَوْلِهِ: " حِجَابُهُ النُّورُ " فَهَذَا النُّورُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ يَجِيءُ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ، وَالنُّورُ الَّذِي احْتَجَبَ بِهِ سُمِّيَ نُورًا وَنَارًا، كَمَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي لَفْظِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute