بِهِ فِي الْقِدَمِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ وَإِنْ كَانَ هَذَا يُوجِبُ الْحَدَثَ فِي حَقِّنَا وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ النُّزُولُ.
قَالَ: وَحَكَى شَيْخُنَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا: يَنْزِلُ، مَعْنَاهُ قُدْرَتُهُ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ ذَاهِبٌ إِلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ احْتَجُّوا عَلَى: يَوْمَئِذٍ، تَجِيءُ الْبَقَرَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَجِيءُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قُلْتُ لَهُمْ: هَذَا الثَّوَابُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: ٢٢] إِنَّمَا يَأْتِي قُدْرَتُهُ، وَإِنَّمَا الْقُرْآنُ أَمْثَالٌ وَمَوَاعِظُ وَزَجْرٌ.
وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِيمَا خَرَّجَهُ فِي الْحَبْسِ: كَلَامُ اللَّهِ لَا يَجِيءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ النُّزُولَ هُوَ الزَّوَالُ وَالِانْتِقَالُ: وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الِاسْتِوَاءِ إِنَّهُ لَا بِمَعْنَى الْمُمَاسَّةِ وَالْمُبَايَنَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَدَثِ وَالِانْتِقَالِ وَهَذَا مِنْ صِفَاتِ الْحَدَثِ.
قَالَ: وَحَكَى شَيْخُنَا عَنْ طَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا نُثْبِتُ نُزُولًا وَلَا نَعْقِلُ مَعْنَاهُ: هَلْ هُوَ بِزَوَالٍ أَوْ بِغَيْرِ زَوَالٍ كَمَا جَاءَ الْخَبَرُ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنَعٍ فِي صِفَاتِهِ، كَمَا نُثْبِتُ ذَاتًا لَا تُعْقَلُ، قَالَ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ، فَقَالَ حَنْبَلٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: نُزُولُهُ بِعِلْمِهِ أَمْ مَاذَا؟ فَقَالَ لِيَ: اسْكُتْ عَنْ هَذَا وَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ أَمْضِ الْحَدِيثَ عَلَى مَا رُوِيَ.
قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ إِنَّهُ نُزُولُ انْتِقَالٍ فَهُوَ مُوَافِقٌ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ، وَالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا إِثْبَاتُ حَقِيقَةٍ، وَأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِالِانْتِقَالِ وَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ وَلَا فِي النَّقْلِ مَا يُحِيلُ الِانْتِقَالَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَالْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالذَّهَابِ وَالْهُبُوطِ، هَذِهِ أَنْوَاعُ الْفِعْلِ اللَّازِمِ الْقَائِمِ بِهِ، كَمَا أَنَّ الْخَلْقَ وَالرِّزْقَ وَالْإِمَاتَةَ وَالْإِحْيَاءَ وَالْقَبْضَ وَالْبَسْطَ أَنْوَاعٌ لِلْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ بِالنَّوْعَيْنِ وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا كَقَوْلِهِ: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] وَالِانْتِقَالُ جِنْسٌ لِأَنْوَاعِ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ، وَالنُّزُولِ وَالْهُبُوطِ، وَالصُّعُودِ. وَالدُّنُوِّ وَالتَّدَلِّي وَنَحْوِهَا، وَإِثْبَاتُ النَّوْعِ مَعَ نَفْيِ جِنْسِهِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.
قَالُوا: وَلَيْسَ فِي الْقَوْلِ بِلَازِمٍ النُّزُولُ وَالْمَجِيءُ وَالْإِتْيَانُ وَالِاسْتِوَاءُ وَالصُّعُودُ مَحْذُورٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute