وَقُدْرَتُهُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ خَاصًّا كَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨] كَانَ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ مَعِيَّتُهُ لَهُمْ بِالنُّصْرَةِ وَالتَّأْيِيدِ وَالْمَعُونَةِ، فَمَعِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عَبْدِهِ نَوْعَانِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، وَقَدِ اشْتَمَلَ الْقُرْآنُ عَلَى النَّوْعَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ بَلْ حَقِيقَتُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الصُّحْبَةِ اللَّائِقَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَعَ خَلْقِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ وَقَرَنَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: ٤] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ، وَأَنَّهُ مَعَ خَلْقِهِ يُبْصِرُ أَعْمَالَهُمْ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْأَوْعَالِ " «وَاللَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ يَرَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ» " فَعُلُوُّهُ لَا يُنَاقِضُ مَعِيَّتَهُ وَمَعِيَّتُهُ لَا تُبْطِلُ عُلُوَّهُ، بَلْ كِلَاهُمَا حَقٌّ، فَمِنَ الْمَعِيَّةِ الْخَاصَّةِ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ١٥٣] {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: ٦٩] {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨] {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٩٤] {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠] وَمِنَ الْعَامَّةِ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: ٤] وَقَوْلُهُ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧] الْآيَةَ.
فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ بِالثَّلَاثَةِ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي يَجْمَعُ الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ، وَلَا يُمْكِنُ أَهْلَهُ أَنْ يَنْقَسِمُوا فِي النَّجْوَى قِسْمَيْنِ، وَنَبَّهَ بِالْخَمْسَةِ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي يَجْمَعُهُمَا، وَيُمْكِنُ أَهْلُهُ أَنْ يَنْقَسِمُوا فِيهَا قِسْمَيْنِ فَيَكُونُ مَعَ كُلِّ الْعَدَدَيْنِ، فَالْمُشْتَرِكُونَ فِي النَّجْوَى إِمَّا شَفْعٌ فَقَطْ أَوْ وِتْرٌ فَقَطْ، أَوْ كِلَا الْقِسْمَيْنِ، وَأَقَلُّ أَقْسَامِ الْوَتْرِ الْمُتَنَاجِينَ ثَلَاثَةٌ وَأَقَلُّ أَنْوَاعِ الشَّفْعِ اثْنَانِ، وَأَقَلُّ أَقْسَامِ النَّوْعَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا خَمْسَةٌ، فَذَكَرَ أَدْنَى مَرَاتِبِ طَائِفَةِ الْوَتْرِ وَأَدْنَى مَرَاتِبِ النَّوْعَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا، ثُمَّ ذَكَرَ مَعِيَّتَهُ الْعَامَّةَ لِمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ.
وَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ نَفْسَهُ رَابِعَ الثَّلَاثَةِ وَسَادِسَ الْخَمْسَةِ، إِذْ هُوَ غَيْرُهُمْ سُبْحَانَهُ بِالْحَقِيقَةِ لَا يَجْتَمِعُونَ مَعَهُ فِي جِنْسٍ وَلَا فَصْلٍ، وَقَالَ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute