للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَعَّالٌ حَقِيقَةً، وَأَنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْخَلْقِ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ يُطَاعُ وَلَا ظَهِيرٌ، وَأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْقَيُّومِيَّةِ {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: ٧] {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} [الأنعام: ٥٩] وَأَنَّهُ يَسْمَعُ الْكَلَامَ الْخَفِيَّ كَمَا يَسْمَعُ الْجَهْرَ، وَيَرَى مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا ذَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَا يَخْرُجُ مَقْدُورٌ وَاحِدٌ عَنْ قُدْرَتِهِ الْبَتَّةَ، كَمَا لَا يَخْرُجُ عَنْ عِلْمِهِ وَتَكْوِينِهِ، وَأَنَّ لَهُ مَلَائِكَةً مُدَبِّرَةً بِأَمْرِهِ لِلْعَالَمِ تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ وَتَتَحَرَّكُ وَتَتَنَقَّلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالدُّنْيَا وَيُخَرِّبُ هَذَا الْعَالَمَ وَيَأْتِي بِالْآخِرَةِ، وَيَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الَّتِي هِيَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مُرَادِهَا كَدِلَالَةِ لَفْظِ الْعَشَرَةِ وَالثَّلَاثَةِ عَلَى مَدْلُولِهَا، وَكَدِلَالَةِ لَفْظِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالْبِغَالِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى مَدْلُولِهَا، لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْبَتَّةَ.

فَهَذَا الْقِسْمُ إِنْ سُلِّطَ التَّأْوِيلُ عَلَيْهِ عَادَ الشَّرْعُ كُلُّهُ مُؤَوَّلًا، لِأَنَّهُ أَظْهَرُ أَقْسَامِ الْقُرْآنِ ثُبُوتًا وَأَكْثَرُهَا وُرُودًا وَدِلَالَةً، وَدِلَالَةُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ مُتَنَوِّعَةٌ غَايَةَ التَّنَوُّعِ، فَقَبُولُ مَا سِوَاهُ لِلتَّأْوِيلِ أَقْرَبُ مِنْ قَبُولِهِ بِكَثِيرٍ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَكِنَّهُ يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، فَهَذَا يُنْظَرُ فِي وُرُودِهِ فَإِنِ اطَّرَدَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهٍ اسْتَحَالَ تَأْوِيلُهُ بِمَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ، لِأَنَّ التَّأْوِيلَ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَوْضِعٍ جَاءَ خَارِجًا عَنْ نَظَائِرِهِ، مُتَفَرِّدًا عَنْهَا فَيُؤَوَّلُ حَتَّى يُرَدَّ إِلَى نَظَائِرِهِ، وَتَأْوِيلُ هَذَا غَيْرُ مُمْتَنَعٍ إِذَا عُرِفَ مِنْ عَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ اطِّرَادُ كَلَامِهِ فِي تَوَارُدِ اسْتِعْمَالِهِ مَعْنًى أَلِفَهُ الْمُخَاطَبُ، فَإِذَا جَاءَ مَوْضِعٌ يُخَالِفُهُ رَدَّهُ السَّامِعُ إِلَى مَا عُهِدَ مِنْ عُرْفِ الْمُخَاطَبِ إِلَى عَادَتِهِ الْمُطَّرِدَةِ.

وَهَذَا هُوَ الْمَعْقُولُ فِي الْأَذْهَانِ وَالْفِطَرِ وَعِنْدَ كَافَّةِ الْعُقَلَاءِ.

وَقَدْ صَرَّحَ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ بِأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يَجُوزُ حَذْفُهُ إِذَا كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ حَذْفَهُ قَدِ اسْتُعْمِلَ فِيهِ ثُبُوتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَذْفِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ ادِّعَاءِ الْحَذْفِ قَدِ اسْتُعْمِلَ فِيهِ ثُبُوتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَذْفِهِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَلِكَ مَحْذُوفًا فِي مَوْضِعٍ عُلِمَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ فِي نَظَائِرِهِ أَنَّهُ قَدْ أُزِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، فَهَذَا شَأْنُ مَنْ يَقْصِدُ الْبَيَانَ، وَأَمَّا مَنْ يَقْصِدُ التَّلْبِيسَ وَالتَّعْمِيَةَ فَلَهُ شَأْنٌ آخَرُ.

<<  <   >  >>