وَأَحَادِيثُ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كَذَا وَيَكْرَهُ كَذَا» ، وَأَحَادِيثُ «إِنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ مِنْ كَذَا» ، وَأَحَادِيثُ ذِكْرِ الْمَشِيئَةِ، وَأَحَادِيثُ الْكَلَامِ وَالتَّكْلِيمِ، وَأَحَادِيثُ الرُّؤْيَةِ وَالتَّجَلِّي وَأَحَادِيثُ الْوَجْهِ وَأَحَادِيثُ الْيَدَيْنِ وَأَحَادِيثُ الْمَجِيءِ وَالنُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ، وَأَحَادِيثُ عُلُوِّ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَيْهِ وَفَوْقِيَّتِهِ، وَحَدِيثُ نِدَائِهِ بِالصَّوْتِ وَقُرْبِهِ مِنْ دَاعِيهِ وَعَابِدِيهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ الْمُوَافَقَةِ لِلْقُرْآنِ، كَانَ قَوْلُ الْمُبْطِلِ: هَذِهِ الْآحَادُ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ إِنَّهَا لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ.
وَهَكَذَا قَالَ الْمُبْطِلُونَ سَوَاءً وَإِنِ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ إِبْطَالِ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ مِنْ نُصُوصِ الْوَحْيِ، فَنُصُوصُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ لَا تُفِيدُ عِلْمًا مِنْ جِهَةِ الدَّلَالَةِ، وَهَذِهِ لَا تُفِيدُ عِلْمًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَمِنْ جِهَةِ السَّنَدِ، وَهَذَا إِبْطَالٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ رَأْسًا، بَلْ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ أَخْبَارِ الْمَعَادِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ الَّتِي شَهِدَتْ بِمَا شَهِدَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَبِمَنْزِلَةِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي قَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا فِي الْقُرْآنِ.
وَمِنْ هَذَا أَخْبَارُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ، فَإِنَّهَا تَشْهَدُ بِاتِّفَاقِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُقَرِّرُ نُصُوصَ الْقُرْآنِ وَتَكْشِفُ مَعَانِيهَا كَشْفًا مُفَصَّلًا، وَتُقَرِّبُ الْمُرَادَ وَتَدْفَعُ عَنْهُ الِاحْتِمَالَاتِ، وَتُفَسِّرُ الْمُجْمَلَ مِنْهُ وَتُبَيِّنُهُ وَتُوَضِّحُهُ لِتَقُومَ حُجَّةُ اللَّهِ بِهِ، وَيُعْلَمَ أَنَّ الرَّسُولَ بَيَّنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَأَنَّهُ بَلَّغَ أَلْفَاظَهُ وَمَعَانِيهِ بَلَاغًا مُبِينًا حَصَلَ بِهِ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ، بَلَاغًا أَقَامَ الْحُجَّةَ، وَقَطَعَ الْمَعْذِرَةَ وَأَوْجَبَ الْعِلْمَ، وَبَيَّنَهُ أَحْسَنَ الْبَيَانِ وَأَوْضَحَهُ.
وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ وَأَتْبَاعُهُمْ يَذْكُرُونَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ يُتْبِعُونَهَا بِالْأَحَادِيثِ الْمُوَافِقَةِ لَهَا، كَمَا فَعَلَ الْبُخَارِيُّ وَمَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي السُّنَّةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرَهُمَا يَحْتَجُّونَ عَلَى صِحَّةِ مَا تَضَمَّنَتْهُ أَحَادِيثُ النُّزُولِ وَالرُّؤْيَةِ وَالتَّكْلِيمِ وَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَيُثْبِتُونَ اتِّفَاقَ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَيْهَا، وَأَنَّهُمَا مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ وَإِيمَانٍ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَعَانِي الْقُرْآنِ بِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ يُتْبِعُونَ ذَلِكَ بِمَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ أَئِمَّةُ الْهُدَى. وَهَلْ يَخْفَى عَلَى ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ أَنَّ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ خَيْرٌ مِمَّا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ وَشُيُوخِ التَّجَهُّمِ وَالِاعْتِزَالِ كَالْمَرِيسِيِّ وَالْجُبَّائِيِّ وَالنَّظَّامِ وَالْعَلَّافِ وَأَضْرَابِهِمْ مِنْ أَهْلِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِينَ أَحْدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ ضَلَالَاتٍ وَبِدَعًا، وَفَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute