أَحَدُهُمَا: بَيَانُ اسْتِقَامَةِ هَذِهِ الطَّرِيقِ.
الثَّانِي: بَيَانُ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ يَقُومُ مَقَامَهَا.
فَأَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ الْقُرْآنَ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ، فَبَلَّغَهُمْ مَعَانِيهِ كَمَا بَلَّغَهُمْ أَلْفَاظَهُ، وَلَا يَحْصُلُ الْبَيَانُ وَالْبَلَاغُ الْمَقْصُودُ إِلَّا بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] وَقَالَ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١٣٨] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الدخان: ٥٨] وَقَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: ٣] أَيْ بُيِّنَتْ وَأُزِيلَ عَنْهَا الْإِجْمَالُ، فَلَوْ كَانَتْ آيَاتُهُ مُجْمَلَةً لَمْ تَكُنْ قَدْ فُصِّلَتْ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: ٥٤] وَهَذَا يَتَضَمَّنُ بَلَاغُ الْمَعْنَى وَأَنَّهُ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الْبَيَانِ.
فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يُبَلِّغِ الْأُمَّةَ مَعَانِيَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ رَبِّهِ بَلَاغًا مُبِينًا، بَلْ بَلَّغَهُمْ أَلْفَاظَهُ، وَأَحَالَهُمْ فِي فَهْمِ مَعَانِيهِ عَلَى مَا يَذْكُرُوهُ هَؤُلَاءِ، لَمْ يَكُنْ قَدْ شَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ حَتَّى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ الْمَصْلَحَةَ كَانَتْ فِي كِتْمَانِ مَعَانِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَعَدَمِ تَبْلِيغِهَا لِلْأُمَّةِ، إِمَّا لِمَصْلَحَةِ الْجُمْهُورِ، وَلِكَوْنِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ الْمَعَانِيَ إِلَّا فِي قَوَالِبِ الْحِسِّيَاتِ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ، وَإِمَّا لِيَنَالَ الْكَادِحُونَ ثَوَابَ كَدْحِهِمْ فِي اسْتِنْبَاطِ مَعَانِيهَا وَاسْتِخْرَاجِ تَأْوِيلَاتِهَا مِنْ وَحْشِيِّ اللُّغَاتِ وَغَرَائِبِ الْأَشْعَارِ، وَيَغُوصُونَ بِأَفْكَارِهِمُ الدَّقِيقَةِ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ حَقَائِقِهَا مَا أَمْكَنَهُمْ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِمَا يَشْهَدُ اللَّهُ بِهِ وَشَهِدَتْ بِهِ مَلَائِكَتُهُ وَخِيَارُ الْقُرُونِ أَنَّهُ بَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ الْقَاطِعَ لِلْعُذْرِ الْمُقِيمَ لِلْحُجَّةِ، الْمُوجِبَ لِلْعِلْمِ وَالْيَقِينِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَالْجَزْمُ بِتَبْلِيغِهِ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَالْجَزْمِ بِتَبْلِيغِهِ الْأَلْفَاظَ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ إِنَّمَا يَحْفَظُهَا خَوَاصُّ أُمَّتِهِ، وَأَمَّا الْمَعَانِي الَّتِي بَلَّغَهَا فَإِنَّهُ يَشْتَرِكُ فِي الْعِلْمِ بِهَا الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ.
وَلَمَّا كَانَ بِالْمَجْمَعِ الْأَعْظَمِ الَّذِي لَمْ يُجْمَعْ لِأَحَدٍ مِثْلُهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فِي الْيَوْمِ الْأَعْظَمِ فِي الْمَكَانِ الْأَعْظَمِ، قَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute