للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَحَالِّهَا، كَمَا يَقَعُ التَّخْصِيصُ لُغَةً وَعُرْفًا فَالتَّخْصِيصُ يَكُونُ لُغَوِيًّا تَارَةً وَعُرْفِيًّا تَارَةً، فَهِيَ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمْ تَبْقَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ، بَلْ خُصَّتْ تَخْصِيصًا شَرْعِيًّا بِبَعْضِ مَوَارِدِهَا، كَمَا خُصَّ بَعْضُ الْأَلْفَاظِ تَخْصِيصًا عُرْفِيًّا بِبَعْضِ مَوَارِدِهِ، وَلَا يُسَمَّى مِثْلُ هَذَا نَقْلًا وَلَا اشْتِرَاكًا وَلَا مَجَازًا، وَإِنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ، فَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي التَّسْمِيَةِ وَبِعَوْدِ النِّزَاعِ لَفْظِيًّا.

الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْمَعَ اللُّغَةَ مِمَّنْ نَقَلَ الْأَلْفَاظَ عَنِ الْعَرَبِ نَظْمًا وَنَثْرًا وَكُلُّ مَا يَعْتَرِي نَقْلَ الْحَدِيثِ مِنَ الْآفَاتِ فَهُوَ هُنَا أَكْثَرُ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِالْوَاقِعِ فَيُرَدُّ عَلَى نَقْلِ اللُّغَةِ وَمَعْرِفَةِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ أَلْفَاظِهَا أَكْثَرُ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى نَقْلِ الْحَدِيثِ وَمَعْرِفَةِ مُرَادِ الرَّسُولِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْهِمَمَ وَالدَّوَاعِيَ تَوَفَّرَتْ عَلَى نَقْلِ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرَسُولِهِ وَفَهْمِ مَعَانِيهِ مَا لَمْ تَتَوَفَّرْ عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَفَهْمِ مَعَانِيهِ، مَعَ تَكَفُّلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِهِ وَبَيَانِهِ.

الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَسْمَعَ اللُّغَةَ بِمَنْ سَمِعَ الْأَلْفَاظَ وَذَكَرَ أَنَّهُ فَهِمَ مَعْنَاهَا مِنَ الْعَرَبِ كَالْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ كُتُبُ اللُّغَةِ الَّتِي يَذْكُرُونَ فِيهَا مَعَانِيَ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى مَنْ سَمِعَ الْكَلَامَ النَّبَوِيَّ مِنْ صَاحِبِهِ وَقَالَ إِنَّهُ فَهِمَ مَعْنَاهُ وَبَيَّنَهُ لَنَا بِعِبَارَتِهِ.

الدَّرَجَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يُنْقَلَ إِلَيْهِ كَلَامُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا كَلَامَ الْعَرَبِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى هَذَا مِنَ الْأَسْئِلَةِ أَكَثَرُ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى نَقْلِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ.

الدَّرَجَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّ اللُّغَةَ بِقِيَاسٍ نَحْوِيٍّ أَوْ تَصَرُّفِيٍّ قَدْ يَدْخُلُهُ تَخْصِيصٌ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ فَرْقٌ لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ وَاضِعُ الْقِيَاسِ الْقَانُونِيِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي يُرَدُّ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي يُرَدُّ عَلَى مَنْ ذُكِرَ قَبْلَهُ.

وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ: فَمَنْ لَمْ يَأْخُذْ مَعَانِيَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ أَصْلًا إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الَّتِي يُرَدُّ عَلَيْهَا أَضْعَافُ مَا يُرَدُّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ تِلْكَ الطُّرُقِ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَسْتَبْدِلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَيَعْدِلَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا مِنَ الْعُلُومِ الْيَقِينِيَّةِ وَالْأُمُورِ الْإِيمَانِيَّةِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، إِلَى مَا هُوَ دُونَهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، بَلْ يَسْتَبْدِلُ بِالْيَقِينِ شَكًّا، وَبِالظَّنِّ الرَّاجِحِ وَهْمًا، وَالْإِيمَانِ كُفْرًا، وَبِالْهُدَى ضَلَالًا،

<<  <   >  >>