مُتَوَهِّمًا أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ اللَّهَ يَجُوزُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِمَا وَعَدَ بِهِ فَأَزَالَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة: ١١١] .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: ١٥٨] فَلَمَّا ذَكَرَ إِتْيَانَهُ سُبْحَانَهُ رُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ إِتْيَانُ بَعْضِ آيَاتِهِ أَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ وَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: ١٥٨] فَصَارَ الْكَلَامُ مَعَ هَذَا التَّقْسِيمِ وَالتَّنْوِيعِ نَصًّا صَرِيحًا فِي مَعْنَاهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ.
وَإِذَا تَأَمَّلْتَ أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ رَأَيْتَ هَذَا لَائِحًا عَلَى صَفَحَاتِهَا بَادِئًا عَلَى أَلْفَاظِهَا، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا كَمَا تُرَى الشَّمْسُ فِي الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، وَكَمَا نَرَى الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ» " وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانُ يُتَرْجِمُ لَهُ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ» " فَلَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُلُوكِ قَدْ يَقَعُ بِوَاسِطَةِ التُّرْجُمَانِ وَمِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ مِنَ الْأَفْهَامِ.
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ١٣٤] وَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَعَيْنِهِ رَفْعًا لِتَوَهُّمِ مُتَوَهِّمٍ أَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ غَيْرُ الْعَيْنَيْنِ الْمَعْلُومَتَيْنِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «يَقْبِضُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ بِيَدِهِ وَالْأَرْضَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، ثُمَّ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ يَدَهُ وَيَبْسُطُهَا» "، تَحْقِيقًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ وَإِثْبَاتِ صِفَةِ الْقَبْضِ.
وَمِنْ هَذَا إِشَارَتُهُ إِلَى السَّمَاءِ حِينَ اسْتَشْهَدَ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الصَّحَابَةِ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute