يَرَى هَذَا كَثِيرًا فِيمَا يَجْزِمُ بِصِدْقِ أَصْحَابِهِ، وَيُرَتِّبُ عَلَى أَخْبَارِهِمْ مُقْتَضَاهَا مِنَ الْمُحَارَبَةِ وَالْمُسَالَمَةِ وَالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ.
وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ شَهَادَةً عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ، لَا نَمْتَرِي فِيهَا وَلَا نَشُكُّ عَلَى صِدْقِهِمْ وَنَجْزِمُ بِهِ جَزْمًا ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنَّا دَفْعُهُ عَنْ نُفُوسِنَا، وَمِنْ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَجْزِمُ بِصِدْقِهِمْ فِيمَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ مِنْ رُؤْيَا الْمَنَامِ، وَيَجْزِمُ لَهُمْ بِتَأْوِيلِهَا وَيَقُولُ إِنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ، وَأَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ٦١] وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَدَحَهُ بِتَصْدِيقِهِ لِمَنْ أَخْبَرَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَمِنْ هَذَا إِخْبَارُ الصَّحَابَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجْزِمُونَ بِمَا يُحَدِّثُ بِهِ أَحَدُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِمَنْ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُكَ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ حَتَّى يَتَوَافَرَ، وَتَوَقَّفَ مَنْ تَوَقَّفَ مِنْهُمْ حَتَّى عَضَّدَهُ آخَرُ مِنْهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى رَدِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَثْبِتُ أَحْيَانًا نَادِرَةً جِدًّا إِذَا اسْتَخْبَرَ.
وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا أَهْلِ الْإِسْلَامِ بَعْدَهُمْ يَشُكُّونَ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو ذَرِّ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَمْثَالُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، بَلْ كَانُوا لَا يَشُكُّونَ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ تَفَرُّدِهِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا مِنَ الدَّهْرِ: خَبَرُكَ خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَكَانَ حَدِيثُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلَّ فِي صُدُورِهِمْ مِنْ أَنْ يُقَابَلَ بِذَلِكَ، وَكَانَ الْمُخْبِرُ لَهُمْ أَجَلَّ فِي أَعْيُنِهِمْ وَأَصْدَقَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا رَوَى لِغَيْرِهِ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصِّفَاتِ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَاعْتَقَدَ تِلْكَ الصِّفَةَ بِهِ عَلَى الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ كَمَا اعْتَقَدَ رُؤْيَةَ الرَّبِّ وَتَكْلِيمَهُ وَنِدَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعِبَادِهِ بِالصَّوْتِ الَّذِي يَسْمَعُهُ الْبَعِيدُ كَمَا يَسْمَعُهُ الْقَرِيبُ، وَنُزُولُهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، وَضَحِكُهُ وَفَرَحُهُ وَإِمْسَاكُ سَمَاوَاتِهِ عَلَى إِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ يَدِهِ وَإِثْبَاتُ الْقَدَمِ لَهُ.
مَنْ سَمِعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِمَّنْ حَدَّثَ بِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ صَاحِبٍ اعْتَقَدَ ثُبُوتَ مُقْتَضَاهَا بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهَا مِنَ الْعَدْلِ الصَّادِقِ، وَلَمْ يَتَرَتَّبْ فِيهَا حَقٌّ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute