للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ بِأَنَّ الْأُصُولَ مَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَبَرِ، وَالْفُرُوعَ مَا تَتَعَلَّقُ بِالطَّلَبِ، وَهَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنِ الْفُرُوقِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ بِالتَّصْدِيقِ بِهَذَا وَهَذَا، عِلْمًا وَإِيمَانًا وَعَمَلًا وَحُبًّا وَرِضًا، وَمُوَالَاةً عَلَيْهِ وَمُعَادَاةً كَمَا تَقَدَّمَ.

وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَسَائِلَ الْأُصُولِ هِيَ مَا لَا يَسُوغُ التَّقْلِيدُ فِيهَا، وَمَسَائِلُ الْفُرُوعِ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: مَا الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ التَّقْلِيدُ؟ فَيَقُولُونَ: مَسَائِلُ الْفُرُوعِ، وَالَّذِي لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ مَسَائِلُ الْأُصُولِ، وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ طَرْدًا وَعَكْسًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا كَوُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالرِّبَا وَالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِذَلِكَ وَشَكَّ فِيهِ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ رَسُولٌ، كَمَا أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ بِالتَّوْحِيدِ وَتَصْدِيقِ الْمُرْسَلِينَ وَإِثْبَاتِ مَعَادِ الْأَبْدَانِ وَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالْعُلُوِّ وَالْكَلَامِ، لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ مُرْسَلًا فَكَثِيرٌ مِنَ الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الطَّلَبِيَّةِ يَجُوزُ فِيهَا التَّقْلِيدُ لِلْعَاجِزِ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ، كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّقْلِيدُ.

فَتَقْسِيمُ الدِّينِ إِلَى مَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ تَقْسِيمٌ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، وَلَا مُنْعَكِسٍ وَلَا عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ.

وَأَيْضًا فَالتَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَمَنْ قَبِلَ قَوْلَ غَيْرِهِ فِيمَا يَحْكِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَاءَ بِهِ خَبَرًا أَوْ طَلَبًا، فَإِنَّمَا قَبِلَ قَوْلَهُ لَمَّا أَسْنَدَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حُجَّةٌ لَكِنَّ تَقْدِيرَ مُقَدِّمَاتِهَا وَدَفْعَ الشُّبَهِ الْمُعَارِضَةِ لَهَا قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، فَمَا كُلُّ مَنْ عَرَفَ الشَّيْءَ بِدَلِيلِهِ أَمْكَنَهُ تَقْرِيرُهُ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ وَلَا دَفْعُ الْمُعَارِضِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ عَنْهُ تَقْلِيدًا كَانَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ مُقَلِّدِينَ فِي التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ وَالْمَعَادِ، وَإِنْ يَكُنِ الْعَجْزُ عَنْهُ تَقْلِيدًا لَمْ يَكُونُوا مُقَلِّدِينَ فِي التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ وَالْمَعَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَجْزُ عَنْهُ تَقْلِيدًا لَمْ يَكُونُوا مُقَلِّدِينَ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْأُمَّةِ مَبْنَى تَعَبُّدَاتِهَا وَتَحْرِيمِهَا وَتَحْلِيلِهَا عَلَى مَا عَلِمَتْهُ مِنْ نَبِيِّهَا بِالضَّرُورَةِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِهِ، وَلَوْ سُئِلَتْ عَنْ تَقْرِيرِهِ لَعَجِزَ عَنْهُ أَكْثَرُهُمْ كَمَا يَجْزِمُ بِالتَّوْحِيدِ، وَأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ خَلْقِهِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ، وَأَنَّهُ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَلَوْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَعَجِزَ عَنْهُ أَكْثَرُهُمْ.

وَأَمَّا الْمَقَامُ السَّادِسُ: وَهُوَ أَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى

<<  <   >  >>