للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْمَعَادِ وَتَفَاصِيلِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَيُسَمَّى تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا تَأْوِيلَهَا بِالِاعْتِبَارَيْنِ، فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهَا وَهُوَ عَاقِبَتُهَا وَمَا تَئُولُ إِلَيْهِ، وَقَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ: {يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ١٠٠] . أَيْ حَقِيقَتُهَا وَمَصِيرُهَا إِلَى هَاهُنَا. انْتَهَى.

وَتُسَمَّى الْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ وَالْحِكْمَةُ الْمَطْلُوبَةُ بِالْفِعْلِ تَأْوِيلًا لِأَنَّهَا بَيَانٌ لِمَقْصُودِ الْفَاعِلِ وَغَرَضِهِ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفِ الرَّائِي لَهُ غَرَضَهُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَضِرِ لِمُوسَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَهُ الْحِكْمَةَ الْمَقْصُودَةَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ تَخْرِيقِ السَّفِينَةِ وَقَتْلِ الْغُلَامِ وَإِقَامَةِ الْجِدَارِ بِلَا عِوَضٍ: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: ٧٨] فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِالْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا فِعْلُهُ قَالَ: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: ٨٢] ، فَالتَّأْوِيلُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُرَادُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى الَّذِي يَئُولُ اللَّفْظُ إِلَيْهِ، وَهِيَ الْحَقِيقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ نَوْعَانِ: خَبَرٌ وَطَلَبٌ، فَتَأْوِيلُ الْخَبَرِ هُوَ الْحَقِيقَةُ، وَتَأْوِيلُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ هُوَ نَفْسُ الْمَوْعُودِ وَالْمُتَوَعَّدِ بِهِ، وَتَأْوِيلُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ الْعُلَى وَأَفْعَالِهِ نَفْسُ مَا هُوَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْعُلَى، وَتَأْوِيلُ الْأَمْرِ هُوَ نَفْسُ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ» " يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. فَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ فِعْلُ نَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ.

فَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالسَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فَمُرَادُهُمْ بِهِ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ: الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " فِيمَا تَأَوَّلَتْهُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ " فَأَبْطَلَ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهُوَ تَفْسِيرُهَا الْمُرَادُ بِهَا وَهُوَ تَأْوِيلُهَا عِنْدَهُ، فَهَذَا التَّأْوِيلُ يَرْجِعُ إِلَى فَهْمِ الْمُؤْمِنِ وَيَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ وَالْأَوَّلُ يَعُودُ إِلَى وُقُوعِ حَقِيقَتِهِ فِي الْخَارِجِ.

وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَمُرَادُهُمْ بِالتَّأْوِيلِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَهَذَا هُوَ الشَّائِعُ فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ.

<<  <   >  >>