للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظَاهِرِهِ إِلَّا مَعَ قَرِينَةٍ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَالْمَجَازُ إِنَّمَا يَدُلُّ مَعَ الْقَرِينَةِ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ مَعَ التَّجَرُّدِ، وَكَذَلِكَ الْحَذْفُ وَالْإِضْمَارُ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ التَّخْصِيصُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَهُ إِلَّا مَعَ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلَا يُسَوِّغُ الْعُقَلَاءُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: جَاءَنِي زَيْدٌ، وَهُوَ يُرِيدُ ابْنَ زَيْدٍ إِلَّا مَعَ قَرِينَةٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] ، {وَالْعِيرَ} [يوسف: ٨٢] عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْقَرْيَةُ وَالْعِيرُ لَا يُسْأَلَانِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَهَا، وَمَنْ جَعَلَ الْقَرْيَةَ لِلسُّكَّانِ وَالْمَسْكَنِ، وَالْعِيرَ اسْمًا لِلرُّكْبَانِ وَالْمَرْكُوبِ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ.

وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ لَا تَجُوزُ مَعَ تَجْرِيدِ الْكَلَامِ عَنِ الْقَرَائِنِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمُرَادِ، فَحَيْثُ تَجَرَّدَ عِلْمَنَا قَطَعْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهَا ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ تَكُونُ الْقَرَائِنُ مَوْجُودَةً وَلَا عِلْمَ لَنَا بِهَا ; لِأَنَّ مِنَ الْقَرَائِنِ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَفْظِيًّا كَمُخَصَّصَاتِ الْأَعْدَادِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مَعْنَوِيًّا كَالْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَالنَّوْعَانِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ لِلْمُخَاطَبِ لِيَفْهَمَ مَعَ تِلْكَ الْقَرَائِنِ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ، فَإِذَا تَجَرَّدَ الْكَلَامُ عَنِ الْقَرَائِنِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْمُرَادَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ، وَإِذَا اقْتَرَنَا بِتِلْكَ الْقَرَائِنِ فُهِمَ مَعْنَاهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الِاقْتِرَانِ، فَلَمْ يَقَعْ لَبْسٌ فِي الْكَلَامِ الْمُجَرَّدِ وَلَا فِي الْكَلَامِ الْمُقَيَّدِ، إِذْ كُلٌّ مِنَ النَّوْعَيْنِ مُفْهِمٌ لِمَعْنَاهُ الْمُخْتَصِّ بِهِ، وَقَدِ اتَّفَقَتِ اللُّغَةُ وَالشَّرْعُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُجَرَّدَ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ مَعَ احْتِمَالِ مَجَازٍ أَوِ اشْتِرَاكٍ أَوْ حَذْفٍ أَوْ إِضْمَارٍ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا يَقَعُ مَعَ الْقَرِينَةِ، أَمَّا مَعَ عَدَمِهَا فَلَا، وَالْمُرَادُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، يُوَضِّحُهُ:

الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: أَنَّ غَايَةَ مَا يُقَالُ: إِنَّ فِي الْقُرْآنِ أَلْفَاظًا اسْتُعْمِلَتْ فِي مَعَانٍ لَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهَا، وَهِيَ الْأَسْمَاءُ الشَّرْعِيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَنَحْوِهَا، وَالْأَسْمَاءُ الدِّينِيَّةُ كَالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَنَحْوِهَا، وَأَسْمَاءٌ مُجْمَلَةٌ لَمْ يُرَدْ ظَاهِرُهَا كَالسَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ وَالزَّانِي وَالزَّانِيَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَسْمَاءٌ مُشْتَرَكَةٌ كَالْقِرْءِ وَعَسْعَسَ وَنَحْوِهَا، فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ بِالْمُرَادِ مِنْهَا.

فَيُقَالُ: هَذِهِ الْأَسْمَاءُ جَارِيَةٌ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ بَيَانُهُ مَعَهُ، فَهُوَ مَعَ

<<  <   >  >>