للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: ١٠٣] فَإِنَّ إِتْمَامَهَا مِنْ إِقَامَتِهَا، وَقِيلَ: تَأَوَّلَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ أُمَّهُمْ حَيْثُ كَانَتْ فَكَأَنَّهَا مُقِيمَةٌ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ فَحَيْثُ كَانَ فَهُوَ مَنْزِلُهُ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى الِاسْتِيطَانِ بِمِنًى أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ بِهَا، وَمَنْ تَأَهَّلَ بِبَلَدٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ، أَوْ أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا قَدْ كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْمَوْسِمِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا أَرْبَعُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ظَنَّاهَا أَدِلَّةً مُقَيِّدَةً لِمُطْلِقِ الْقَصْرِ أَوْ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِهِ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا ضَعِيفَةً، وَالصَّوَابُ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ، وَقَدْ قَصَرَتْ مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ عُثْمَانُ لِيُقِيمَ بِمَكَّةَ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَخَّصَ فِي الْإِقَامَةِ بِهِ لِلْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِمْ ثَلَاثًا، وَالْمُسَافِرُ إِذَا تَزَوَّجَ فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بِمُجَرَّدِ التَّزَوُّجِ مَا لَمْ يُزْمِعِ الْإِقَامَةَ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّأْوِيلُ الَّذِي يُوَافِقُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ وَغَيْرُهُ هُوَ الْفَاسِدُ.

وَالتَّأْوِيلُ الْبَاطِلُ أَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا: مَا لَمْ يَحْتَمِلْهُ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ الْأَوَّلِ مِثْلَ تَأْوِيلٍ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا رِجْلَهُ» " بِأَنَّ الرِّجْلَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ الْبَتَّةَ.

الثَّانِي: مَا لَمْ يَحْتَمِلْهُ اللَّفْظُ بِبِنْيَتِهِ الْخَاصَّةِ مِنْ تَثْنِيَةٍ أَوْ جَمْعٍ، وَإِنِ احْتَمَلَهُ مُفْرَدًا كَتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] بِالْقُدْرَةِ.

الثَّالِثُ: مَا لَمْ يَحْتَمِلْهُ سِيَاقُهُ وَتَرْكِيبُهُ وَإِنِ احْتَمَلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ السِّيَاقِ كَتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: ١٥٨] بِأَنَّ إِتْيَانَ الرَّبِّ إِتْيَانُ بَعْضِ آيَاتِهِ الَّتِي هِيَ أَمْرُهُ، وَهَذَا يَأْبَاهُ السِّيَاقُ كُلَّ الْإِبَاءِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ حَمْلُهُ

<<  <   >  >>