رابعًا: الخبرات الكونية، والاجتماعية في المؤسسات التربوية القائمة في الأقطار العربية، والإسلامية المعاصرة
أدرك المسلمون في عصور الازدهار، والفتوحات العلمية أهمية الخبرات الكونية والاجتماعية في تفاعلها مع العقل، وإفراز القدرات التسخيرية. ولذلك قاموا بـ"العمل" الذي يشكل العنصر الأول من الخبرة، فابتكروا مناهج البحث العلمي وأدواته، وميادينه في العلوم الطبيعية والفلكية، والاجتماعية وقاموا بالرحلات، ونقبوا في التراث الإنساني كله وفي تاريخ الملل والنحل، وقاموا بترجمة الخبرات الماضية، وخططوا للتفاعل مع الحاضر، وتحديد معالم المستقبل.
وحين دخلت التربية الإسلامية عصور التقليد والجمود توقف القسم الأول من الخبرة -وهو العمل- أو البحث العلمي، واقتصرت الخبرات التربوية على التلقين النظري، وانتهت مؤسسات التربية إلى الاقتصار على مدرس "يروي" آيات "الذكر" وآخر "يقص" نصوص "الأثر" المحتدر من علوم الآباء، وطلبة "يستمعون" و"يحفظون" دون أن يصاحب ذلك شيء من "الممارسة" في الخبرات الكونية والاجتماعية، ولذلك لم يولد في أجيال الخلف "اليقين" الذي امتاز به السلف. وهذا المنهج المتخلف هو الذي ورثته مؤسسات التربية الإسلامية التقليدية حتى مطلع العصر الحديث، وما زالت عليه في مناهجها ومؤسساتها، وكأن وظيفتها الأساسية هي ملء الرءوس بالأفكار، وكأن الرءوس أشرطة تسجيل، أو ملفات قصاصات ورقية يحفظ فيها أشعار "الآباء" ومأثوراتهم ومقولاتهم، أو نظريات "الغرباء" المعاصرين وتقريراتهم. لذلك فهي خالية من -التفكير العلمي والمنهج العلمي- اللذين هما سمة الخبرات المربية النافعة، وهي لا تسهم في تقديم مشروع أو حلول مشكلات، ولا ينتج عنها تطبيقات، وليس لها تأثير مستقبلي على الخبرات التالية:
والصفة الغالبة على هذه المؤسسات أنها لا تتطور وتسقط عوامل