كما إن الإرادة تنمو وتنضج، فإنها تضعف وتموت. لذلك لا تقف التوجيهات الواردة في القرآن والسنة عند الإشارة إلى أهمية الإرادة، ووظائفها وإنما أيضا إلى النظر في أساب ضعفها وموتها للحذر من هذه الأسباب، وتجنب آثارها وتحديد أساليب معالجتها.
ويتم فقدان الإرادة الجازمة النبيلة في ثلاث حالات هي:
الحالة الأولى، عند فقدان القدرات العقلية. وفي حالة هذا الفقدان لا يتفاعل الفرد مع المثل الأعلى إذا عرض عليه، ويكون مثله مثل الذي فقد حاسة الشم، فإذا وجدت الرائحة لا يحدث الإحساس بها رغم وجودها. وهذه الحالة ليست مدار بحثنا؛ لأنها حالة مرضية ميدانها الصحة الجسدية والعلاج البدني.
والحالة الثانية، أن توجد القدرات العقلية ويوجد المثل الأعلى، ولكن تكون القدرات العقلية مكبلة بـ"مثل سوء" تسرب إليها خلال الموروثات الاجتماعية، والثقافية التي يرثها الفرد من بيئته الأسرية والاجتماعية.
ولأهمية هذه الموروثات نتناولها بشيء من التفصيل فتقول:
كما إن الطفل يولد على الفطرة في سمعه وبصره وشمه وذوقه، كذلك هو في إرادته للخير ونفوره من الشر. فإذا عرضت الأفكار، والأعمال على الإنسان الفطري -خالي الذهن من الخبرات الاجتماعية والثقافية- فإن له القدرة على اختيار أفضلها وأن تتوجه إرادته إلى محبتها، حتى تصل إلى درجة التضحية بالمال والنفس.
ولكن الطفل يرث مثله الأعلى -في العادة- من المجتمع الذي ينشأ فيه كما أشار إلى ذلك -صلى الله عليه وسلم- حينما قال:"ما من مولد إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه ويمجسانه وينصرانه" ١. ولذلك كان واجبا على التربية أن
١ البخاري، كتاب الجنائز. مسلم، كتاب القدر. الترمذي، كتاب القدر، الموطأ، جنائز. مسند أحمد، جـ٢، جـ٣، جـ٤.