للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رابعا: مستوى الإرادة ومستوى المثل الأعلى]

يتحدد مستوى الإرادة طبقا لمستوى المثل الأعلى المعروض على القدرات العقلية. ويختلف مستوى الإرادة عن نموها في أن مستوى الإرادة، هو انتقال طولي من مستوى إرادة بقاء الجسد -مثلا- إلى مستوى إرادة بقاء النوع، أو من هذا الثاني إلى مستوى إرادة الارتقاء بالنوع البشري. أما نمو الإرادة فهو امتداد أفقي باتجاه نموذج المثل الأعلى، الذي يقابل مفردات الإرادة، كأن تنمو إرادة الإحسان وتتوجه نحوه بعد عرض المثل الأعلى لقيمة الإحسان، وأن تنمو إرادة العمل، وتتوجه نحوه بعد عرض المثل الأعلى لقيمة العمل. وأن تنمو إرادة التنظيم، وتتوجه نحوه بعد عرض المثل الأعلى لقيمة التنظيم وهكذا.

إذن فالمستوى الذي يعرض من المثل الأعلى هو الذي يقرر مستوى الإرادة الحاصل، فيرفعها -إن شاء- حتى تبلغ إرادة الارتقاء بالنوع الإنساني، ويحبسها إن شاء عند مستويات إرادات الطعام، والنكاح. أي إن العلاقة بين المثل الأعلى، وبين الإرادة علاقة طردية. فالإرادة ترتفع بارتفاع مستوى المثل الأعلى المعروض، وتهبط بهبوط مستوى المثل الأعلى المعروض.

وهذا قانون له آثاره الخطيرة في مجال التطبيق ومواقف الحياة. فالخطباء والشعراء والمغنون لا يستطيعون إثارة إرادة التضحية عند الشعب، إلا إذا كانت المؤسسات التربوية قد نمت مفردات هذه الإرادة، ورفعت مستواها قبل ذلك، ولذلك تحددت عمليات التربية الإرادية في التربية الإسلامية طبقا لهذا المبدأ، فالفقهاء والمربون ينمون الإرادات، ويرفعون مستواها بالإعداد النظري والتطبيق العملي الذي يمتد لسنين طويلة، والوعاظ والخطباء يستثيرون الإرادات الكامنة خلال دقائق فقط، ولكنهم لا يستطيعون عمل شيء في هذا الشأن، إذا كانت الإرادات ضعيفة أو ميتة.

وهذا المبدأ من الأسباب الرئيسية التي تدفع السياسات الاستعمارية

<<  <   >  >>