للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثانيا: إعلان الوفاة وإجراءات الدفن]

وخلال الصراعات الدائرة وتفاعل الفتن، والمضاعفات السلبية في الداخل تعمد الفئات المهزومة أو تلك التي فيها بقية صلاح إلى الهجرات المعاكسة، والهروب من أرض الهرج والقتل، والفتن إلى حيث الأمن والاستقرار وسيادة القانون.

أما الخردة البشرية فتستمر في أتون الصراعات الدموية، ومستنقع الانحرافات الاجتماعية إلى أن تتمزق الأمة وتتناثر مزقها: تمزق سياسي وتفسخ أخلاقي، وهزائم ونكبات، ومجاعات تصبح حديث المحافل الدولية، ووسائل الإعلام العالمية. وإلى هذا الوضع المأساوي يشير قوله تعالى:

{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: ١٩] .

وبلوغ الأمة هذه الحالة يجعلها كالجيفة التي تنفجر أحشاؤها، وينتشر نتنها فتجذب روائحها الكريهة برابرة الشعوب، والغزاة الطامعين من خارج ليقوموا بإعلان الوفاة وإجراءات الدفن.

وغالبا ما يتمثل إعلان الوفاة بالانهيار العسكري السريع أمام الغزاة. والواقع أن ما يبدو انتصارا ساحقا، وهزيمة مروعة هو في حقيقته إعلان لوفاة أمة لفظت أنفسها من قبل، ولكنها ظلت زمنا تتكئ على أجهزتها المخابراتية والأمنية، وتوهم المرعوبين من جماهيرها أنها حية قائمة كما ظلت جثة سليمان المتكئ على منسأته زمنا ترعب العاملين تحت إمرته من الإنس، والجن حتى أكلت دابة الأرض تلك المنسأة -أي العصاة- فلما خرت الجثة قال الخاضعو بعضهم لبعض: لو كنا نعلم الغيب ما لبثنا زمنا في العذاب المهين.

وأما عن إجراءات الدفن، فتمثل بحل جيش النظام الظالم وبوليسه، ومخابراته وإداراته، وانهيار الثقافة التي مكنت للظلم والفساد، وتوزيع

<<  <   >  >>