للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه كلها إرادات يريدها الإنسان الذي تقف إرادته الرئيسية عند إرادة الطعام وإرادة النكاح، وهي كلها تؤدي إلى هبوط النوع الإنساني. ولذلك جعلها الإسلام إرادات فاسدة كالروائح النتنة. ولهذا لما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض أتباعه "يريدون" الولاء للعصبية ويصيحون: يا لآل فلاون! قال لهم: "دعوها فإنها منتنة" ١.

وإيراد هذه الأمثلة والنماذج القرآنية للإرادات لا يعني أن نقف عند ما ورد في القرآن والحديث، وإنما معناه أن نسترشد بهذا الإطار العام لمفهوم الإرادة، ثم نمضي قدما في تصنيف تفاصيل الإرادات الفرعية في ضوء الخبرات، والحالجات القائمة. أي أن المطلوب أن يبرز "فقه تربوي" في كل زمان ومكان، تكون مهمته بلورة نماذج الإرادات التي يراد من التربية والمؤسسات التربوية أن تنميها في ضوء التوجيهات الإلهية في آيات الكتاب، وفي ضوء التطور الجاري والحاجات المتجددة، والتحديات القائمة في ميادين الآفاق والأنفس. ونجاح التربية في هذه المهمة يحقق صفة "الإخلاص" في العمل التي هي أحد الشرطين الرئيسين لبروز العمل الصالح.

ومن الطبيعي أن بلورة مثل هذه النماذج من الإرادات يجب أن يسبقها بلورة نماذج مطابقة من المثل الأعلى، الذي يمثل حاجات المرحلة والمكان كذلك. وحين تنجح التربية في ذلك كله وتشيعه، وترسخه تكون قد عملت على إيجاد ما يسمى بـ"روح الأمة"!!


١ صحيح مسلم، كتاب البر، ص٦٤.

<<  <   >  >>