للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مضطربة من العقائد والفلسفات والمذاهب والثقافات. فكانوا في ذلك الوقت الأنموذج الذي وصفه الله بقوله:

{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر: ٨٣] .

ومن هنا كذلك يمكن أن نفهم مواقف المجتمعات الإسلامية فيما بعد، من دعوات التجديد والإصلاح بعد أن تجمعت عندهم أخلاط من المذهبيات والفرق المتباينة والتأويلات المختلفة التي انحدرت إليهم من الآباء خلال القرون.

وبسبب هذه الآثار السلبية للموروثات الثقافية، والاجتماعية الفاسدة، كانت شكوى نوح عليه السلام من المجتمع الذي عاصره عندما قال:

{رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٦-٢٧] .

فهو لم يعن إن الأطفال يولدون مزودين بإرادات الكفر والفجور، فهذا يتعارض مع المبدأ الذي يقرر أن الإنسان يولد مفطورًا على تعشق المثل الأعلى وإرادة الهدى، والفضيلة. وإنما أراد تصوير هيمنة الموروثات الثقافية والاجتماعية التي كانت -منذ وقت مبكر- تفسد بذرة -الإرادة النبيلة- في نفوس الناشئة، بحيث يستحيل أن تنمو هذه البذرة فيما بعد، وإن استمرار مثل هذه الموروثات سوف يؤدي إلى إفساد الإرادات عند العباد كلهم، ودفعهم في طرق الضلال.

والخلاصة إن مثل الأفراد الذين يعانون من هيمنة الموروثات الثقافية، والاجتماعية المناقضة للمثل الأعلى مثل الذي تعرض عليه الروائح الزكية، ولكن حاسة الشم عنده مصابة بمرض الزكام. وهؤلاء يطلب إليهم العلاج فإذا رفضوه وظلوا يتعللون بعدم القدرة على الشم لم يعذروا، واحتاجوا إلى الحجر الصحي والحمية -بكسر الحاء وسكون الميم-

<<  <   >  >>