للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاختبارات بنجاح وأنه استحق رتبة الإمامة للناس، وأنه سألها لذريته من بعده، فجاءه الجواب بالموافقة مع الاشتراط إلى أن هذه الإمامة عهد لا يناله الظالمون المقصرون من ذريته الذين لا يقومون بتكاليفها، ويفشلون باختباراتها.

ثم مضى إبراهيم مصحوبا بأبنائه وأسرته في التمهيد لإخراج "الأمة المسلمة"، فابتدأ بتحديد مواطنها، ومؤسساتها حيث اختار لها موطنا منطقة وسطا تقع في ملتقى المواصلات العالمية، وتفاعل الحضارات وهي منطقة تمتد من بلاد الشام عبر دلتا مصر والحجاز. كذلك أقام مؤسستين تربويتين: الأولى، للتربية والتزكية وهي الكعبة والمسجد الحرام، والثانية، للدعوة والنشر وهي المسجد الأقصى. ثم انقسمت الأسرة إلى جوار المسجدين ليقوم كل فريق بالإشراف على المهمة الموكلة إليه في منطقته، وإعداد الأجواء لفكرة "الأمة" الجديدة. وإلى هذا الإعداد الإبراهيمي كانت الإشارة القرآنية التالية:

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢] .

ثم كانت الانطلاقة الأولى لإخراج "أمة الرسالة" برسالة موسى التي جرى التمهيد لها برحيل يوسف، وأسرة يعقوب إلى مصر وإشاعة جو من الثقافة الملائمة للأمة التي يراد إخراجها. وكان الخروج -أو الهجرة- بالمؤمنين بالرسالة الجديدة مرورا بشمالي منطقة المسجد الحرام، والتوجه إلى منطقة المسجد الأقصى لتطهير أرض "أمة الرسالة" التي رسم حدودها إبراهيم، ولبدء الدعوة والنشر فيها.

وكانت جماعة المهاجرين هذه تحمل في تشكليها صفة العالمية وتعدد الأجناس. وليس صحيحًا أنها اقتصرت على جنس واحد هو سلالة إسرائيل الدموية. فالقرآن يشير إلى أن أتباع موسى كان فيهم "رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه"، وأنه قال في اجتماع يرأسه فرعون: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ

<<  <   >  >>