للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين يتناثرون في بيئات غير إسلامية لا يستطيعون العيش حسب نماذج -المثل الأعلى- الإسلامي للحياة، ولا يستطيعون النجاة بناشئتهم من الضغوط الأخلاقية والاجتماعية، والثقافية المحيطة، إلا إذا قاموا بهجرة جسدية إلى -مهجر- إسلامي تتوفر فيه أسباب الحياة الإسلامية، والهجرة النفسية من آثار الثقافات اللاإسلامية وتطبيقاتها في المشاعر والعقول والسلوك. ويستمر التلازم بين الهجرتين ما دام المؤمنون لم يمسكوا بزمام القيادة الدولية، فإذا تم لهم هذا الإمساك توقفت الهجرة الحسية، واستمرت الهجرة النفسية -على مستوى العالم كله- وهو ما أشار إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد فتح مكة، وإمساك المسلمين لزمام الأمر في الجزيرة كلها فقال: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" ١.

ويلاحظ على الهجرة بمفهومها المعنوي أنها تقابل "التزكية" أو -"تغيير" ما بالأنفس- اللذين يشدد عليهما القرآن الكريم. وغاية هذا التغيير هو -هجر- الثقافة الخاطئة أو الآبائية التي انقضى زمنها. ولقد كان أبرز مظاهر الهجرة المعنوية هو الانتقال من -ثقافة العصبية القبلية- بكل قيمها، وتطبيقاتها الصنمية إلى ثقافة الإسلام بكل قيمها وتقاليدها التوحيدية. ولذلك نبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أن العودة إلى ثقافة الطور القبلي ومفاهيم القبلية، وتطبيقاتها هو مظهر من مظاهر الردة، وكبيرة من الكبائر المخلدة في النار. فعن عبد الله قال: آكل الربا، وموكله وكاتبه إذا علموا بذلك، والواشمة والمستوشمة للحسن، ولاوي الصدقة، والمرتد أعرابيا بعد الهجرة، ملعونون على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة٢.


١ صحيح البخاري، كتاب الجهاد، كتاب مناقب الأنصار، كتاب المغازي.
صحيح مسلم، كتاب الإمارة. ورواه الترمذي، والنسائي والدارمي وابن حنبل.
٢ مسند أحمد "تحقيق أحمد شاكر"، جـ٥، رقم ٣٨٨١، ٤٠٩٠.
سنن النسائي، كتاب الزينة، ص٢٥.
سنن البيهقي، جـ٩، ص١٩.

<<  <   >  >>