للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكسل والمرض وغلبة الديون وقهر الرجال١. فالجهاد إذن هو -تكنولوجيا الإسلام- التي توفر العمل، والإنتاج في أوقات السلم، والمنعة في أوقات العدوان. ولكن ليس بقصد توفير الرخاء الاقتصادي، والمنعة السياسية لجنس معين من البشر، أو تحقيق تفوق لقوم على بقية الأقوام، أو توفير امتياز لطائفة دينية على بقية الطوائف، وإنما لغاية أخرى هي تأهيل كتلة بشرية لحمل رسالة الإسلام إلى العالم. ولذلك فالذي تقوم به الأقطار المتقدمة صناعيا، وعلميا وإداريا -في الحاضر- هو جهاد لكنه بدون رسالة. وبذلك تكون أزمة العالم الحديث هو أن هناك مجتمعات تقوم بالمظهر المادي للجهاد لكن بدون رسالة، بينما -ترقد في سبات- إلى جانبها مجتمعات تخزن الرسالة في أسفارها، وتستظهر نصوصها في مؤسساتها التربوية، ولكن بدون جهاد لحملها ونشرها.

ولا بد من الانتباه إلى -المعنى الحضاري للجهاد. فالجهاد يعكس مفهوم -الأمن الإسلامي- الذي يركز على إيصال الرسالة، وتبليغها إلى الآخرين بغية توفير الأمن الفكري والمادي، والنفسي لبقاء النوع البشري ورقيه. ذلك إن مصدر الخطر على بقاء النوع البشري ورقيه -حسب التصور الإسلامي- يكمن في "القيم" التي تكفر -أي تحجب وتخفي- قوانين الخلق في النشأة والمصير، وتقتصر على نوازع التمتع بالحياة وشهواتها، ومن هذا -الكفر- تتشوه جميع أشكال الاعتقاد والشعور، والممارسات في ميادين السلوك والاجتماع والعلاقات حتى إذا ظهر أهل الكفر في الأرض أشاعوا الفتن، والمظالم السياسية والمفاسد الاجتماعية، وردوا شبكة العلاقات الاجتماعية إلى عهود الغاب والهمجية والتخلف. ولذلك كان طلب بذل النفس لمحاربة قيم الكفر ومؤسساته وممثليه، وبذل المال لنشر قيم الرسالة الإسلامية، وإقامة مؤسساتها والإنفاق على العاملين


١ صحيح البخاري، كتاب الجهاد، صحيح مسلم، كتاب الذكر، سنن الترمذي، كتاب الدعوات.

<<  <   >  >>