للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احتجرها دون الناس، فأنزل الله عز وجل ومن كفر أيضا، فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أأخلق خلقا لا أرزقهم؟ أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى النار. ثم قرأ ابن عباس: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} ... ومن نفس المنطلق نزل الوحي على الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأمر أبا بكر أن لا يوقف نفقته على من قذف ابنته عائشة أم المؤمنين، ويأمر الأنصار أن لا يوقفوا إنفاقهم على القربى والأنسباء من اليهود الذين لم يستجيبوا للرسالة -كما مر في صفحة سابقة- لأن توفير -الإيواء- للكافر يهيئ له أنه يتفرغ للتأمل في آيات الله، وبراهين قدرته في الآفاق والأنفس.

وتتكرر التوجيهات الإلهية أن يقوم الانتفاع بالأرض كمصدر للعيش على ما تسميه -أكل الحلال والطليب- والتحذير من أساليب الشيطان التي توجه إلى ما تسميه -الحرام الخبيث: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: ١٦٨] .

- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] .

- {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩] .

وللانتفاع بخيرات الأرض منهجان لا ثالث لهما: فإما منهج الله في "الحلال الطيب" الذي يفرز مفاهيم في الاقتصاد تهيئ لجميع الناس الانتفاع الجسدي والنفسي والعقلي، وتشيع التعاون والتكافل بينهم، وتوفر للجميع التمتع بـ"الطيب" من الغذاء المؤدي إلى العافية والكرامة، وإما منهج الشيطان في "الحرام الخبيث" الذي يفرز نظريات في -الإنتاج والاستهلاك- تصيب البشر كلهم بالضنك النفسي والجسدي والعقلي، وتشيع الاستغلال والاحتكار، والابتزاز ونهب مقدرات الأفراد والشعوب لصالح أقليات مترفة تاركة للأكثرية الرديء -أو الخبيث- من الغذاء الجالب للأسقام، ومضاعفات المجاعات، والفتن في الأرض والفساد الكبير.

<<  <   >  >>