للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الرازي فقد قال في تفسير الآيتين الأخيرتين:

"المسارعة الشروع بسرعة، والإثم ما يختص بهم، والعدوان ما يتعداه إلى غيرهم، وأما أكل السحت، فهو أخذ الرشوة. والأصل في لفظ المسارعة أنه يستعمل في القرآن في الخير مثل: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} ، و {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} . فهم يقدمون على هذه المنكرات، وكأنها خير يحق لهم أن يسارعوا فيه.

والربانيون هم العلماء القائمون على تربية الأمة وإدارة شئونها، والأحبار هم العلماء القائمون على توجيهها وتعليمها١. ولقد ذم الله الفريقين؛ لأنهم تركوا النهي عن اقتراف الشرور الثلاثة التي مر ذكرها ثقافة وعلما، ونكصوا عن محاربتها فعلا وإدارة، واستعمل في الأولى: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . وفي الأحبار والربانيين التاركين للنهي عن المنكر: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} ؛ لأن الصنع أقوى من العمل. فالعمل إذا صار مستقرا راسخا متمكنا يسمى صناعة. فهم ساعدوا -بصمتهم- على رسوخ هذه المنكرات. ولذلك قال ابن عباس عن هذه الآية: هي أشد آية في القرآن. وعن الضحاك: ما في القرآن أخوف عندي منها٢.

وحين ننظر -نحن أهل القرن العشرين- في الآيات الثلاث في ضوء خبرات زماننا نجد أن الآيات المذكورة توجه التربية الإسلامية إلى التمركز في قلب الاجتماع الإنساني، والعمل على تجسيد "الإيواء" في واقع نظيف من "اقتصاد السحت" و"ثقافة الإثم والعدوان" المؤديين إلى حرمان الإنسان من طمأنينة العيش و"ماعون" العبادة.

ولتقوم التربية بهذه الوظيفة لا بد أن تقوم بما يلي:


١ هكذا فسر معني الربانيين، والأحبار كل ما من الطبري والقرطبي "آل عمران: ٧٩"، وابن كثير، والشوكاني.
٢ الرازي، التفسير، جـ١٢، ص٣٩.
الطبري، التفسير، "سورة المائدة: آية ٤٤".

<<  <   >  >>