للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: ٢٥] .

فالعدل في حقيقته تجسيد لـ"أفكار" الرسالة ومثلها الأعلى، وبقاؤها المحور الذي يدور في فلكه "الأشخاص والأشياء". أما الظلم فحقيقته أن يهيمن "الأشخاص" الأقوياء على محور الاجتماع البشري، ويديرون "الأفكار والأشياء" في فلكهم لبقاء سلطانهم ودوام تملكهم. فالعدل -إذن- هو روح شبكة العلاقات الاجتماعية الذي يمنحها الحياة والبقاء، وغياب العدل يلغي

مبرر وجود الأمم، ولذلك قال أبو الحسن الخزرجي: الملك مع العدل والكفر يدوم، ولكن الملك مع الإسلام والظلم لا يدوم. وجيوش الفتح الإسلامي حين خرجت إلى العالم، إنما خرجت لرفع الظلم عن الشعوب، أما اعتناق الإسلام فقد تركته لاختيار الشعوب المحررة للتبين وحدها الرشد من الغي دون إكراه في الدين، ولتختار واحدا من اثنين: إما الإسلام وإما الجزية التي تسوي غير المسلم بالمسلم الذي يدفع الزكاة، ويخدم في الجيش لحماية الجميع من الظلم. وأساس هذه الاستراتيجية التي وجهت الفتوحات الإسلامية هي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} . ولقد أورد الطبري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسر "الوسط" بالعدل، وأن معنى "أمة وسطا" أمة عدول، وأن ابن عباس، وتلامذته أخذوا بهذا التفسير وعلموه١.

ويتكرر الطلب إلى -أمة المؤمنين- بأن يكونوا "قوامين بالعدل" أي كثيري القيام بالعدل في نظم حياتهم، وإداراتهم وممارساتهم وقيمهم، وعاداتهم إلى الدرجة التي يصبح -العدل- هو السمة المميزة لمجتمعهم وحضارتهم، وأن لا يحول دون تجسيد هذه الصفة في واقعهم صلة رحم، أو حمية قرابة أو شنآن كراهية:


١ الطبري، التفسير، جـ٢ "تفسير آية ١٤٣ من سورة البقرة"، ص٧.

<<  <   >  >>