للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتطبيقاتها من تقاليد العصبية القبلية العربية، ومزجته بما راقها من تقاليد الكسروية الفارسية والقيصرية الرومانية١.

واستمر مسلسل هيمنة رجال الملك، والقوة على رجال الفقه والفكر وتعاظمت ردة القيم السياسية من الدوران في فلك "أفكار الرسالة" إلى الدوران في فلك "أشخاص" القوة وأصحاب النفوذ، فصارت "القوة فوق الشريعة" و"التسلط فوق الحرية" و"الحكم المطلق فوق الشورى" و"التملك الفردي فوق ملكية الأمة".

ولقد أدى هذا التحول في اندحار "فقهاء الرسالة" إلى ظهور "فقهاء الملوك والسلاطين، وازدهار مكانة الشعراء والمداحين الذين أشاوا بانفراد "أشخاص" الحاكمين بالنفوذ والتصرف، وأسبغوا الكمال والعصمة على أفعالهم، وسياساتهم الأمر الذي بذر بذور ردود الفعل العنيفة التي تلت، وأفرزت "قيم كفر الحرمان" التي جسدتها فلسفات الزندقة، والحركات الباطنية. ولما كان تدوين التاريخ الإسلامي قد بدأ خلال هذه الفترة -فترة الدوران في فلك الأشخاص بدل الأفكار- فقد جرت كتابة هذا التاريخ على أساس أنه تاريخ عائلات وأشخاص، لا تاريخ فكرة ورسالة، وما زال قارئوا هذا التاريخ لا يتبينو عمق التشويه الذي أحدثه الدوران في فلك الأشخاص بدل الأفكار في كتابه هذا التاريخ وتصنيفه.

ولعل من الإنصاف أن نقول: أن هذا التحول لم يحدث بسهولة، وإنما رافقته مقاومة شديدة من جيل الصحابة، والتابعين الذين كانوا يدورون في فلك أفكار الرسالة الإسلامية.

وخلال هذه المقاومة قدم المقاومون تضحيات هائلة في الأنفس


١ ثم تدوين خطب الخليفة علي بن أبي طالب من قبل المعارضة للحكم الأموي، ولعل أهمية الخطب المشار إليها أعلاه تستحق التنقيب في المخطوطات الإسلامية المتناثرة في مكتبات العالم، والتي لم يطبع منها أكثر من ٩%، فلعلنا نعثر على شيء من الخطب المذكورة.

<<  <   >  >>