للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن عدم بروز علوم إسلامية توضح -مراحل العمل الإسلامي، واستراتيجياته أدى إلى تخبط مؤسسات التربية وحركات التجديد، والإصلاح سواء في تنظيماتها الداخلية أو نشاطاتها الدعوية في الخارج. فهي لم تدرك الفارق بين "الولاء" للعصبيات التي توجه سلوك -إنسان الأقطار الإسلامية- في حياته الفعلية، وبين علاقات "الانتساب والانتماء" التي يستثمرها و"ينفقها" هذا الإنسان لـ"نصرة" ولاءاته العصبية حين تتعرض الأخيرة للخطر، تماما كالسلوك الذي يصفه قوله تعالى:

{وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس: ١٢] .

فكثيرا ما ظن الإسلاميون أن حماس جماهير الأمة المتوفاة لخطبائهم في المساجد وترديدها لهتافهم: "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"! هو دلالة على استعداد هذه الجماهير لـ"الجهاد" وبذل النفس والمال لـ"نصرة" أفكار الرسالة، ثم إذا دعيت هذه الجماهير لتجسيد هذا الحماس في واقع حي تثاقلت إلى الأرض، واكتفت في أحسن حالاتها بالحوقلة والتحسر، ثم كانت مواقفها الفعلية تطبيقا كاملا للمثل الشعبي المستمد من ثقافتها القبلية القائل: "من يتزوج أمي هو عمي"١.

وفي المقابل كثيرا ما انقلب بعض من أسلمتهم حركات الإصلاح، والتجديد قيادتها، أو دفعت بهم إلى "مجالس النواب" لتمثيلها ولـ"نصرة" الإسلام، و"إيواء" المؤمنين، إلى زعماء "متسوزرين" يركزون "جهادهم" لـ"إيواء" قبائلهم وأسرهم و"نصرة" عصبياتهم ومصالحهم في الجاه والتملك!!


١ مثل شعبي شائع معناه الإذعان والطاعة لكل غالب مهما كانت جنسيته، أو دينه أو أخلاقه أو سياسته، والتخلي عن طاعة المغلوب مهما كانت درجة قرابته، أو رفعة أهدافه، أو عدالة مطلبه، أو صدقه وإخلاصه.

<<  <   >  >>