للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولًا: الجهاز التربوي العامل لتحقيق وحدة الإنسانية -الأمة المسلمة:

تطلق التربية الإسلامية على هذا الجهاز مصطلح -الأمة- وهو مصطلح -كما قلنا- ذو محتوى فكري نفسي، ويختلف عن مصطلحات "الشعب" و"القوم" ذات المحتويات الدموية والجغرافية، وهو ذلك لا يقابله مصطلح مماثل في اللغات الأخرى كما فصلنا ذلك في باب -إخراج الأمة المسلمة.

ولذلك تحمل -الأمة المسلمة- مواصفات معينة لا تستيطع القيام بوظيفتها التربوية إلا إذا اتصفت بهذه المواصفات كاملة، وهي المواصفات التي استعرضناها في الباب الثالث من هذا البحث.

ولقد رأينا -عند استعراض مفهوم الأمة المسلمة ومكوناتها، ووظيفتها- أن الأصول الإسلامية تشترط على الأمة المسلمة ما يشبه التفرغ لآداء وظيفتها في التربية الدولية. فالقرآن يشترط عليها بذل الجهد الدائم، ورصد المقدرات -من المال والأنفس- في سبيل هذه الوظيفة. والرسول يحذرها من -اتباع أذناب البقر- أي الانغماس في الزراعة، و -التبايع بالعينة- أي الانغماس في التجارة انغماسا ينحرف ينحرف بها إلى الحد الذي ينسيها وظيفتها التربوية، ويجعلها تضع الوسائل محل الأهداف: أي تسهو عن وضع المال والأنفس في سبيل الرسالة، وإنما تستغل الرسالة ومؤسساتها لجمع المال وترفيه النفس.

والأمة المسلمة المخرجة لممارسة التربية الدولية لا تفرزها المصادر الدموية، أو العرقية وإنما هي تجميع وتركيب وإخراج مستمر لـ"أمة" لا يقتصر تكوينها على جنس من الأجناس، أو عرق من الأعراق وإنما هي أمة مفتوحة لجميع العناصر الصالحة من الإنسانية كلها، والتي ترغب المشاركة في وظيفة الأمة المسلمة، وتسهم في تكاليفها ومتطلبات البذل في سبيلها، وهذه هي وظيفة التربية المستمرة.

<<  <   >  >>