للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

درجة "القدرة" على تحويل المدركات العقلية الصائبة، والإرادات المخلصة إلى "أعمال" صالحة -مصلحة.

والقرآن الكريم يسمي عمليات التغيير المشار إليها في الأطوار الثلاثة "إحياء" بعد الموت:

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: ١٢٢، ١٢٣] .

والإحياء الذي توجه الآية إليه هو إحياء عقلي -إرادي يكون من ثمراته حسن المشي في الناس، وحسن التمييز بين الخير والشر، والصواب والخطأ، والحق والباطل، وحسن التعامل معها كلها. وفي المقابل تلفت الآية أنظار المؤمنين إلى السياسات المعاكسة التي يديرها "أكابر المجرمين" في كل مجتمع، الذين يمكرون -أي يقيمون سياساتهم- على أساس الهبوط بالأتباع "المستضعفين" في الاتجاه المعاكس للأطوار الثلاثة حتى تنتهي بهم إلى حالة -الإماتة الإنسانية- أي إماتة العقول والإرادات وسجنها في غيابة الخرافة، والوهم والأهواء العصبية والشهوات الجسدية إلى أن تئول حياتهم إلى ظلمات العيش، وسوء الأعمال التي يزينها لهم سحرة الفكر والنفس، فلا يستطيعون منها خروجا١.


١ في الماضي قامت سياسات الظلمة من سلاطين المماليك -مثلًا- على تغييب العقل المسلم في أمثال سيرة بني هلال، والزير سالم، و"إلهامات" الدراويش الأحياء. وتغييب إرادات الأمة في البحث عن الكرامة والعطاء، والنجاة من خلال الاستغاثة بالأولياء الأموات، وولاءات العصبيات.
وفي الحاضر يجري تغييب العقل المسلم عن "شهود" الأزمات الداخلية و"حضور" التحديات الخارجية في أمثال قصص، وروايات الغرام وأشعار الحب، وكتب -وقاية الإنسان من الجن والشيطان، و -الصارم البتار في التصدي للسحرة والأشرار. ويجري تغييب إرادات المسلمين في أمثال مباريات الرياضة، ومهرجانات الفنون، وصحافة الأزياء، وإعلانات الاستهلاك، ومسلسلات التلفزيون التي تحرك الحميات البدوية، والعصبيات القروية. وفي كلا الحالتين من "التغييب" كانت النتائج هي عجز القيادات والأنظمة التي تمارسه عن حل المشكلات الداخلية، وهزيمتهم أمام الأخطار الخارجية.

<<  <   >  >>