للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويندرج المستوى الثاني من الأثر تحت اسم "اليقين" المفضي إلى شكر الله وعبادته: أي طاعة أوامره واجتناب نواهيه. ولكن المتعلم لا يصل إلى هذا المستوى الثاني من -الأثر- إلا إذا تفاعل الجزء الأول من الخبرة -وهو العمل- مع توجيه الوحي الإلهي، الذي يرشد إلى الغايات والمقاصد النهائية. ويطلق القرآن على هذا التوجيه اسم -الذكر- لأنه يذكر بالغايات النهائية للخبرات الإنسانية. وتتكرر صفة "الذكر" هذه في مواضع عديدة من القرآن الكريم عند أمثال قوله تعالى:

- {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: ١] .

- {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القرم: ١٧] .

وهذا يعني أن الخبرة المربية النافعة مهما كانت متواضعة هي التي تسهم في توليد أفكار، وتطبيقات جديدة تشارك في تقدم الحضارة المادية وحل المشكلات الاجتماعية، ورقي السلوك المؤدي إلى حفظ النوع البشري، ورقيه وخلوده. أما الخبرات التي لا تسهم في جلاء الحقائق ولا كشف القوانين ورقي السلوك الإنساني، فتتحول إلى مجرد كلام منمق يجعل التفكير معه مستحيلا وغير ضروري.

والسؤال الذي يطرح هنا: ما هي السمات التي تجعل الخبرة مربية نافعة؟

التفكير هو -أول- سمات الخبرة المربية؛ لأنه إدراك العلاقات بين العمل الذي نقوم به -أي العنصر الأول للخبرة- وبين الأثر الناتج عن هذا العمل -أي العنصر الثاني للخبرة. وسمة التفكير الصحيح أن يكون تكفيرًا مستمرا لا يتوقف ولا يكمل، وإنما هو في تساؤل دائم عما يجب القيام به من أعمال، وما سينتج عن هذه الأعمال من آثار جديدة. أما أن نملأ رؤوسنا بالأفكار وكأنها أشرطة تسجيل أو ملف قصاصات، ورقية مما تم عمله وإنجازه فهذا ليس بتفكير ولا بخبرة. فالتفكير إذن هو استمرارية الاهتمام بمصائرنا الحاضرة والمستقبلية خلال مجرى الأحداث، والمواقف المبهمة

<<  <   >  >>