فإن كون الأنبياء عليهم السلام واسطة بين الله وبين سائر الناس، يحتمل معنى حقاً ومعنى باطلاً؛ فمن أراد أنهم واسطة في تبليغ أوامر الله ونواهيه، وبيان دينه وشرحه وتوضيح ما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه - فهذا معنى حق وصواب؛ فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه، وماذا أمر به وماذا نهى عنه إلا بواسطة الرسل عليهم السلام، فإنهم المبلغون عن الله سبحانه وتعالى.
وأما من أراد بالواسطة أن الأنبياء والأولياء واسطة بين العباد وبين رب العباد في جلب المنافع، ودفع المضار، والرزق، والنصر، والإغاثة، وكشف الكربات *
والناس يرجعون إلى الأنبياء والأولياء في ذلك، ويسألونهم قضاء الحاجات * وكشف الكربات * ويستغيثون بهم عند نزول النوازل وإلمام الملمات * وينادونهم في غيابهم في الحياة وبعد الممات لجلب الخيرات ودفع الآفات *- (فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين ... فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط، يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار:
مثل أن يسألهم غفران الذنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين....
فمن أثبتهم وسائط بين الله وبين خلقه - كالحجاب الذين بين الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه -