للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمطلوب وغير دال على دعوى شرعية هذا الذكر في الركعتين الأخيرتين من الصلاة بدلاً عن قراءة الفاتحة الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله ومن فعله. وغاية ما يدل عليه هذا الدليل والذي قبله هو أن هذا الذكر من أفضل الأذكار وهذا مسلَّمٌ به من جميع العلماء ولكنها لا تدل على مشروعيتها في الركعتين الآخرتين، أو أنها تقوم مقام فاتحة الكتاب لا بالمنطوق ولا بالمفهوم وخصوصاً وهي معارضة لحديث المسئ صلاته المصرح بوجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة بلا فرق بين الأوليين والأخريين، ومن أدلتهم ما رواه الأمير الحسين في (الشفاء) أن المصلي يسبح في الأخريين من الظهر والعصر، ويجاب عنه بأن هذا الحديث الذي يحكي التسبيح في الآخريين من الظهر والعصر لم يوجد في كتب الحديث التي هي دواوين الإسلام لا في الأمهات الست ولا في غيرها من السنن والمسانيد والمعاجم لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف، هذا بعد البحث الشديد في مظان وجود هذا الحديث إلى حد أن العلامة الضمدي مؤلف (تخريج الشفاء) صرح بأنه لم يجد هذا الحديث في كتب الحديث وإنما وجده في كتب أئمة الزيدية.

ومن أدلتهم على ما ذهبوا إليه حديث الحسن البصري عند ابن أبي خيثمة بإسناده إلى قتادة قال حدثنا الحسن أنه ذكر له (إمامة جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في اليوم الذي يلي الإسراًء) وفيه أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي أن الصلاة جامعة وساق الحديث إلى أن قال في صلاة المغرب فصلى بهم ثلاث ركعات أسمعهم القرآن في الركعتين وسبح في الثالثة ولم يظهر القراءة، وقام في العشاء وصلى بهم أربع ركعات أسمعهم القرآن في الركعتين وسبح في الأخيرتين، يؤم جبريل محمدا -صلى الله عليه وسلم- ويؤم محمد -صلى الله عليه وسلم- الناس، ورجاله ثقات في (الروض النضير) ويجاب عنه بأنه وإن كان رجاله ثقات فإنه ضعيف من جهة الإرسال وذلك لكونه لم يروه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابي، وإنما أرسله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الحسن البصري وليس بصحابي وإنما هو تابعي ومراسيل التابعي لا يحتج أهل الحديث بها، فهي عندهم من قسم الحديث الضعيف ولا سيما مراسيل الحسن البصري فهي ضعيفة عند الحفاظ، وأيضاً هذا الحديث لا يصح لمعارضته لما جاء في حديث عائشة عند البخاري أن الصلاة شرعت مثنى مثنى فأقرت في السفر وأتمت في الحضر وهو بلفظ (فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ) (١)، فعندما شرعت الصلاة في ليلة الإسراًء وصلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلف جبريل في اليوم الثاني كانت الظهر والعصر والعشاء ركعتين فقط ولم تكن أربع ركعات وهذا بإجماع الحفاظ، فكيف يقال بعد هذا أنه صلى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الظهر أربع ركعات عقيب شرعية الصلوات الخمس في ليلة الإسراء؟!، وعلى فرض أن الحديث غير مرسل وأنه ليس معارضاً لحديث عائشة الصحيح فهو معارض لحديث المسئ صلاته الصحيح عند جميع العلماء ولفظه (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا)، ومما احتجوا به


(١) - صحيح البخاري: كتاب تقصير الصلاة: باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء. حديث رقم (٣٣٧) بللفظ (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ).
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، والنسائي في الصلاة، وأبوداود في الصلاة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في النداء للصلاة، والدارمي في الصلاة.
أطراف الحديث: الجمعة، المناقب.

<<  <  ج: ص:  >  >>