للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الثالث: شروط الصلاة]

[حكم التلفظ بالنية قبل تحريم الإحرام في الصلاة]

س: هل يجوز التلفظ بالنية قبل تكبيرة الإحرام في الصلاة؟

جـ: لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء في التلفظ بالنية قبل الشروع في الصلاة لا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا من فعله ولا من تقريره، وهكذا لم يرد عن أحد من الصحابة أنه كان يتلفظ بالنية قبل الصلاة بقوله (نويت أن أصلي فرض صلاة كذا) أبداً لأن محل النية هو القلب فمن أراد الشروع في الصلاة فلينوِ بقلبه ولا حاجة إلى أن يتلفظ بها فيقول (نويت أصلي فرض كذا) ولا لزوم لذلك أصلاً.

س: هل يجب على المصلي التلفظ بالنية في الصلوات المفروضة كما تقول الشافعية وغيرهم؟ وهل عليه أن يقول مثل ذلك إذا صلى النوافل أو أدى ركعتين قبل صلاة الظهر أو بعدها أو الركعتين التي تشرع بعد الوضوء أو أدى تحية المسجد إذا نواهما معاً، فهل يجب عليه أن يتلفظ بكل ذلك أم لا؟

جـ: اعلم بأنه قد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) (١) في هذا الحديث دليل على وجوب النية في جميع الأعمال الدينية بل دليل على شرطية النية في جميع العبادات وأن كل عبادة لم ينوِ صاحبها فعلها فهي غير صحيحة أو أنها غير شرعية، لأن معنى (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) إنما صحة الأعمال بالنيات أو إنما الأعمال الشرعية بالنيات فمن لم ينوِ في أيِّ عبادة فعمله غير صحيح أو غير شرعي، فمن توضأ أو اغتسل أو صلى أو زكى أو صام أو حج ولم ينوِ فوضوؤه أو غسله أو صلاته أو زكاته أو صومه أو حجه غير صحيح أو غير شرعي لكن لا يشترط في النية أن تكون باللفظ بل (القصد) كافٍ فمن قصد أن يتوضأ للصلاة فقصده كافٍ ومن قصد أداء الصلاة فقصده كافٍ في النية، وهكذا غيرها من العبادات لا فرق بين الزكاة والصيام والحج والاعتكاف فكما أنه لا يشرع للمزكي عندما يخرج الزكاة أن يقول نويت أن أزكي بهذا المال عن أموالي الفلانية كذلك لا يشرع له أن يقول نويت أن أصلي فرض صلاة الظهر أو العصر مثلاً، وإنما قلت أن النية هي (القصد) ليخرج العمل الذي عمله الإنسان غير قاصد للعبادة التي يريد أن يعملها، فمن اغتسل بالماء قاصداً التبرُد أو قاصداً السباحة أو قاصداً النظافة وبعد أن اغتسل للتبرُد أو بعد أن اغتسل للنظافة أو بعد أن سبح انتبه وذكر أنه يجب عليه الغسل مثلاً فلا بدَّ أن يغتسل لرفع الحدث الأكبر مثلاً وذلك بأن ينوي بالغسل لرفع حكم الجنابة أي يقصد بغسله هذا الغسل الشرعي الذي أوجبه الإسلام على المسلم ولا يرفع حكم الجنابة الغسل الأول الذي عمله أولاً لأنه عندما اغتسل لم يقصد الغسل الذي هو العبادة المشروعة التي أوجبها الإسلام على المسلم إن كان جنباً وإنما قصد التبرد أو النظافة أو


(١) صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: باب بدء الوحي. حديث رقم (١) بلفظ (عن مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخطأبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)
أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الطهارة، وأبوداود في الطلاق. وابن ماجه في الزهد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.
أطراف الحديث: الإيمان، المنافب.
معاني الألفاظ: النية: القصد وعزم القلب. … يصيب: ينال، والمراد تحصيل أسباب العيش.

<<  <  ج: ص:  >  >>