للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإخراجها واجب من رأس التركة.

القسم الثاني: ما يخرج من الثلث كأجرة من يحج عن الميت إذا أوصى بأن يحجوا عنه سوى كانت الحجة هي حجة الإسلام أو حج تطوع أوصى بها الميت تنفلاً، وهكذا الوصية على الفقراء والمساكين وعلى المساجد والمدارس والسبل وكذلك سائر ما يصرفه الوصي في يوم الموت من الأشياء التي اعتاد الناس إخراجها في يوم الموت وما بعد الموت فكلها لا تكون إلا من الثلث لا من رأس التركة، كما أنها لا تخرج إلا إذا كان الميت قد أوصى بها، أما إذا كان الميت لم يوص بها فلا يخرج من الثلث إلا إذا أجاز الورثة إخراجها، أما إذا لم يجيزوا إخراجها ولا كان الميت قد أوصى بها فالمخرج لها متبرع بإخراجها يخرجها من ماله لا من مال الورثة، ومن جملة ما يجب إخراجه من ثلث تركة الميت أجرة من يدرس ما تيسر من القرآن إذا كان التالي لا يدرس القرآن ولا يهديه إلى روح الميت إلا بالأجرة سوى قلنا بجواز أخذ الأجرة إلى مقابل تلاوة القرآن أو لم نقل بجوازها وسواء قلنا بأن ثواب قراءة الحي إلى روح الميت تصل إليه أو قلنا بعدم وصول الثواب إلى الميت، لأن العلماء مختلفون في حكم المسألتين الأخيرتين فقال بعضهم: لا يحل لأحد أخذ الأجرة إلى مقابل تلاوة القرآن، وقال آخرون: لا مانع من أخذ مقابل تلاوة القرآن مطلقاً والذي رجحه العلامة المجتهد المطلق (محمد بن إسماعيل الأمير) قدس الله روحه هو جواز الأجرة إلى مقابل تلاوة القرآن، وقد ألف في ذلك مؤلفاً مستقلاً سماه (إقامة الحجة والبرهان على جواز أخذ الأجرة إلى مقابل تلاوة القرآن) وأهم ما احتج به حديث (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّه) (١) وهو حديث صحيح، كما أن العلماء أيضاً اختلفوا في وصول ثواب قراءة الحي إلى الميت وبعبارة أخرى اختلفوا في قراءة الحي القرآن وإهدائه إلى الميت هل يصل الثواب إليه وينتفع به أو لا يصل الثواب إلى الميت ولا ينتفع به، فالمروي عن الإمام الشافعي عدم الوصول والمروي عن الإمام أحمد بن حنبل في إحدى الروايات عنه الوصول، وهذه المسألة من المعارك العلمية التي لا يخوض في ميدانها إلا الأبطال ولا يحوم حول حافاتها إلا الفحول من الرجال والذي رجحه العلامة الأمير في رسالته المشهورة (بشرى الحبيب) المطبوعة في أخر (جمع الشتيت) وصول الثواب إلى الميت وانتفاعه بها، والله أعلم بالصواب وفوق كل ذي علم عليم.

[وجوب إخراج الدين قبل الوصايا من رأس التركة]

س: أيهما يقدم إخراج الدين أو الوصايا؟

جـ: يجب أن يقدم إخراج الدين لقول الله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (٢)

س: توفي رجل وخلف خمسة أولاد وأربع بنات وقد أوصى بدين عليه وحجة وكفارة صلاة وكفارة يمين وقد قام ورثته بحصر جميع مخلفه وبعض الورثة غير مجيز لكل ما في الوصية وثلث التركة لا يكفي فأيها أهم الحجة أو الدين أو الكفارات أفتونا مأجورين؟

جـ: الدين الذي يصح على المتوفى لا يكون إخراجه من ثلث التركة ولا يحتاج إلى إجازة من الورثة بل الواجب


(١) - صحيح البخاري: كتاب الطب: باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم. حديث رقم (٥٤٠٥) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ).
انفرد به البخاري.
(٢) - النساء: الآية (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>