للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير عاضل، وهكذا إذا كان الولي لم يوافق على العقد بحجة أنه غير عارف بالزوج من ناحية الدين حتى يسأل ويبحث فإنه في هذه الحالة لا يسمى أيضا عاضلاً ولا تنتقل الولاية منه إلى غيره من الأولياء أو إلى القاضي لأن جهله بكفاءة الخاطب عذر له في التأني حتى يعرف كفاءة الخاطب من عدمها فإذا عرف الحقيقة واتضح له كفاءة الخاطب ثم امتنع عن العقد له وقد أصبحت قريبته راضية فإنه يصير عاضلاً لها ويحق لمن يليه من الأولياء أن يعقد لها كما يحق لها أن تتقدم إلى القاضي وتبرهن على العضل ليأذن لمن يليه بالعقد إن رضي وإلا فالإذن منه يكون لمن بعده من الأولياء الموجودين الحاضرين فإن غابوا جميعاً أو تمردوا أو غاب بعضهم وتمرد البعض فله الحق في العقد بها بمن ترضاه زوجاً من الأكفاء في الدين والخلق على رغم أنف كل ولي لحديث (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ) (١) هذا، واعلم أيها السائل بأن المهر هو ملك للزوجة تتصرف فيه كيف ما تشاء وليس لوالدها أو أيِّ ولي أخذ شيء من مهر من يعقد بها من بناته أو أحد قريباته إلا بطيبة من نفسها سواء كان قليلاً أم كثيراً فمن عقد لأخته أو ابنته أو بنت عمه وأخذ المهر كاملاً ولم يشتر للمعقود بها شيئا من الحلي أو من أيِّ شيء تملكه أو أخذ بعض المهر فهو ظالم للمعقود عليها ما لم تسمح به له عن رضا واقتناع واختيار، أما إذا سمحت له مسامحة ناتجة عن حياء أو خجل أو ضغط أو إكراه فحكم المسامحة هذه أنها غير معتبرة شرعاً.

س: بعض أولياء أمر الفتيات يبالغون في رفع المهور رغم أن من يتقدم للخطبة من الشباب هو ممن يرتضي خلقه ودينه؟

جـ: الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) ولم يقل إذا جاءكم من عنده (مال وحسب) وبناء على ذلك إذا كنت كفؤا لهذه الفتاة في الدين وردك ولي الفتاة فهو مخطٍ ما دام أن الفتاة راضية بالزواج، ونخشى أن يندم على رده ذلك الفتى الصالح لأنه ورد في آخر الحديث (إلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) ولا مانع لك أيها السائل أن تتوسط بأقارب هذا الولي وأصدقائه فعسى أن يكون التوسط بهم مؤثراً فيه.

[تحريم تصرف ولي المرأة بمهرها إلا إذا آذنت له بلا خوف ولا حياء]

س: لي أخت تزوجت وهي صغيرة وتسلمت مهرها كاملاً ولكني احتفظت بنصف مهرها لدي حتى تبلغ رشدها وسلمتها نصف المبلغ المذكور وحدث أن أحد أعمامي طلب أن أسلمه إليه ويبقى في ذمته ديناً إلى وقت الطلب فسلمته إليه، فهل هذا عملي جائزاً أم غير جائز؟

جـ: اعلم بأن المهر للمرأة وليس لأحد من أوليائها كائناً من كان أن يتصرف بمهرها أبداً اللهم إلا إذا كانت قد بلغت سن الرشد وأذنت لوليها بأن يتصرف به فلا مانع له من ذلك مهما كان الإذن برضاها واختيارها ومن طيبة نفسها، أما إذا كان الإذن ناتجاً عن خوف أو حياء المرأة الكبيرة أو كانت حالة التصرف صغيرة غير مكلفة فإن التصرف من الولي بمهرها غير جائز شرعاً سواء أذنت عن خوف أو حياء أو من طيبة نفسها لأن الصغيرة التي لم تبلغ سن الرشد لا إذن لها ولا اختيار حتى تبلغ رشدها، والحاصل هو أن التصرف بالمهر لا يخلو بأن تكون صاحبة المهر هذه حال تصرف الولي بمهرها بالغة عاقلة أو تكون صغيرة أو مجنونة فإن كانت بالغة عاقلة ولم


(١) سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن الترمذي برقم (١١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>