للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[س: (اتق شر من أحسنت إليه) هل هو حديث صحيح أو حسن أو ضعيف أو موضوع أم هذا الكلام من الحكم والأمثال؟]

جـ: هذا ليس بحديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا أصل له في كتب السنة النبوية ولا في الشريعة المحمدية لوجهين:

الوجه الأول: أنه لم يعثر عليه أحد من العلماء في أيِّ كتاب من كتب الحديث وشروحها ولا هو مذكور في كتب الموضوعات التي ألفها المتقدمون من الحفاظ لا في موضوعات (ابن الجوزي) ولا (الصاغاني) ولا (السيوطي) ولا (ابن عراق الكناني) ولا غيرهم وقد ذكره (السخاوي) في (المقاصد الحسنة) وقال لا أعرفه، ويشبه أن يكون من كلام بعض السلف وهو محمول على اللئام وساق كلاماً طويلاً حول ما قيل في الموضوع، وجاء من بعده ممن ألف في الأحاديث المشهورة على السنة الناس فنقلوا عن (السخاوي) قوله (لا أعرفه) وأقروه على ذلك، وذلك مثل تلميذه (الديبع) في (تمييز الطيب من الخبيث) و (العجلوني) في (كشف الخفاء) وغيرها، وهكذا من ألف في الموضوعات من الحفاظ المتأخرين مثل (ابن طاهر الفتني) في (تذكرة الموضوعات) و (الملا علي القاري) في (موضوعاته الصغرى) وفي (موضوعاته الكبرى) و (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) وغيرهم، الجميع كانوا ينقلون عن (السخاوي) أنه قال لا أعرفه ويقرونه على هذا النفي،

وجاء بعده تلميذه الحافظ (عبدالرحمن الديبع) المتوفى سنة (٩٤٤) في (تمييز الطيب من الخبيث) فلم يزد على نقله لكلام شيخه (السخاوي) الذي قال عن هذا الكلام (لا أعرفه) واختصر بعض ما قاله حول هذا الموضوع (١)، كما جاء بعدهما الحافظ ((العجلوني)) المتوفي سنة (١١٦٢) الذي نقل قول (السخاوي) الذي لم يعرف هذا الكلام كحديث نبوي شريف، واختصر بعض ما أتى به (السخاوي) من الأقوال حول الموضوع كما في (كشف الخفاء)، وهكذا من ألف في العصور المتأخرة في الأحاديث الموضوعة كـ (الملا علي بن سلطان القاري) المتوفى سنة (١١٤) في موضوعاته الصغرى المسماة (المصنوع في الحديث الموضوع) (٢) وفي موضوعاته الكبرى التي سماها (الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة) (٣) والحافظ (الشوكاني) المتوفى سنة (٢٥٠) في كتاب (الفوائد المجموعة) في الأحاديث الموضوعة (٤) وغيرهما من الحفاظ المتأخرين، الجميع اكتفوا بالنقل عن (المقاصد) لـ (السخاوي) أنه قال لا أعرفه،

وقد علق عليه الشيخ (محمد الصباغ) العلامة السوري الذي صحح (موضوعات القارئ الكبرى) وعلق عليها بقوله بالمعنى لا أظن أن هذا الكلام من أقوال بعض السلف لأن هذا القول على إطلاقه يزهد في الإحسان، وبمثل ما قاله (الصباغ) بصفة مطولة قاله الشيخ (مصطفى أبو سيف الحمامي) مؤلف كتاب (النهضة الإصلاحية) وغيره.

الوجه الثاني: إن هذا الكلام معارض للأدلة الشرعية كما سبق أن نقلنا عن (الصباغ) وعن (الحمامي) وذلك لأن الأدلة الشرعية والآداب المرعية والأخلاق الإسلامية والعربية والطبائع البشرية والسجايا الإنسانية ترغب في الإحسان إلى كل ذي روح مهما كان حتى ولو كان ذو الروح حيواناً فضلاً عن أن يكون إنساناً وهذا الكلام يدل بمضمونه الأمر بعدم الإحسان إلى الناس مهما كانوا لأن عاقبة الإحسان ستعود على المحسن بالضرر لأن كل


(١) - صفحه ١٤.
(٢) - صفحه ٤٥.
(٣) - صفحه ٨٠.
(٤) - صفحه ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>