من أحسن الناس إليهم لا بد من أن يسيئوا إلى المحسن مهما كان هذا المحسن ولا بد من أن ينال المحسن شراً ممن أحسن إليه سواء كان فرداً أو جماعة لأن لفظة مَنْ مِنْ ألفاظ العموم فيعم كل إنسان يأتيه أيُّ إحسان من الناس، وعلى هذا الأساس سيكون هذا الكلام أو هذه الجملة مغلقةً لباب الإحسان وناهية عن تعاطي الإحسان وآمرة بتجنب كل إحسان في الدنيا وتكون النتيجة المنع من الإحسان الذي قد جاء به القرآن والسنة والإجماع وأقوال السلف من الصحابة والتابعين، ومن الممكن أ نجعل هذا الكلام من الأمثال أو من الحكم ولكن بشرط أن نضيف إليها كلمة (اللئام) ويكون المثل هكذا (اتق شر من أحسنت إليه من اللئام) لأن النفس اللئيمة الخبيثة تأبى أن تموت حتى تسيء إلى من أحسن إليها وبالعكس النفس الشريفة الطيبة تأبى أن تموت حتى تحسن إلى من أساء إليها فضلاً عن الذي أحسن إليها فإنها تكافئه على ما قدم من الخير إليها بأيِّ نوع من أنواع المكافأة حتى بالشكر أو الدعاء له بالخير إلى مقابل ما صدر منه من الإحسان على حد قول أبي الطيب المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته … وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
أما إذا بقي الكلام مطلقاً غير مقيد وعاماً بلا مخصص فلا يصح أن يكون مثلاً ولا حكمة كما لا يخفى على من كان له ذوق سليم وفهم مستقيم، والخلاصة لما جاء في جوابي هذا يتخلص فيما يلي:
قولهم (أتق شر من أحسنت إليه) ليس بحديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا موضوع.
٢. هذا الكلام لم يتكلم منه علماء السنة المتقدمين ونفى معرفته المتأخرون كـ (السخاوي) والديبع و ((العجلوني)) والقاري و (الشوكاني) والصباغ والحمامي وغيرهم وهو مخالف ضمناً للأدلة الشرعية وللأخلاق الإنسانية.
٣. هذا الكلام لا يصح أن يكون أثراً ولا مثلاً ولا حكمة فضلاً عن أن يكون حديثاً.
٤. هذا الكلام من الممكن أن يكون حكمة أو مثلاً أو قولاً لأحد السلف إذا ضم إليه عبارة تدل على التقييد بـ (اللئام) والله ولي الهداية والتوفيق وسبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم.
س: اطلعت على كتاب لشرف الدين العاملي عنوانه (أبو هريرة) وفيه يزعم العاملي بأن (أبا هريرة) كان يكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل يجوز الطعن في صحابي جليل كـ (أبي هريرة) الذي وهب نفسه لحفظ السنة ورايتها عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نرجو ت وضيح ما تقول الحقيقة؟
جـ: كتاب (أبو هريرة) الذي ألفه شرف الدين العاملي أحد علماء الإمامية الجعفرية في هذا العصر لا أثق فيه، وعلى المطلع عليه أن يطلع عليه اطلاع البصير اليقظ الناقد لا إطلاع المقلد أو الضعيف المستسلم ويزن جميع ما يطلع عليه بميزان الكتاب والسنة وبما قاله العلماء المختصون في حفظ السنة ورجالها، ولا بد أن يظهر له الحق وتظهر له الحقيقة جلية واضحة ويرجِّح ما ظهر له أنه حق ويضعِّف ما ظهر له أنه ضعيف، ونقول للسائل بما قاله علماء هذا العصر العلامة (حمزة والسباعي) وغيرهما من علماء العصر الذين ألفوا في هذا الموضوع نتيجة لما قاله العاملي في كتابه (أبي هريرة) وتبعه الاستاذ (أبو ريه) في رسائله الثلاثة (أبو هريرة شيخ الضبرة) و (قصة الحديث) و (أضواء على السنة المحمدية) حيث تكلم في هذه الكتب الثلاثة كلاما غير لائق في (أبي هريرة) ولا سيما في الكتاب الثالث الذي سماه (أضواء على السنة المحمدية) الذي آثار ضجة في الأوساط العلمية، وفي جميع الديار الإسلامية بمجرد ما ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب، ولم يمض على طبعه إلا مدة غير طويلة حتى استنكره كثير من علماء السنة النبوية الغيورين عليها والذائبين عنها وما قيل عنها وردوا ما جاء في كتاب (أبي هريرة) بعدة ردودات من العلماء الذين تولوا الرد عليه، العلامة (عجاج الخطيب) الذي ألف كتابا عظيما سماه (السنة قبل التدوين) وأجاب فيه على كثير من الشبهات التي ذكرها (أبو