للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أدري هل المقصود بهذا الحديث ما قاله المناوي من أن خنز اللحم أي تغير رائحته كان عقاباً من الله لبني إسرائيل لأن السلوى كان لا ينتن أم أن ذلك غير صحيح حيث أن المناوي لم يبرهن على صحة ما ادعاه ببرهان صريح صحيح، ولهذا كله أقول الحديث صحيح من ناحية الرواية، وأما من ناحية الدراية فالله أعلم بالصواب.

[استحباب التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم]

س: ما حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ وكيف توزن الأعمال؟ وما ورد في الحوض المورود؟

جـ: اعلم أنه لا مانع من التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالصلاة في المواضع التي كان يصلي فيها أو التي صلى فيها ولو مرة واحدة مثل صلاته في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم وفي الكعبة وفي مسجد قباء، وقد جاء في كتب الحديث أن بعض الصحابة تبركوا بشعره ومنهم من تبرك بعرقه ومنهم من تبرك بريقه بل إن ذلك مستحب وخصوصاً التبرك بالمواضع التي صلى فيها بأبي هو وأمي

وما حب الديار شغفن قلبي … ولكن حب من سكن الديار.

ونقول في الجواب عن السؤال الثاني: اختلف العلماء في هذه المسألة فقال بعضهم: إن الأعمال هي التي توزن لأصحابها وذلك لأنها وإن كانت أعراضاً إلا أن الله يقلبها يوم القيامة أجساماً توزن كما توزن سائر الأجسام، قال البغوي: يروى هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن سورتي البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف كما في حديث (اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا) (١)، ومن ذلك ما في الصحيح قصة القرآن وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون، فيقول: من أنت فيقول: أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك وهو بلفظ (يَجيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالرَّجلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي أَسهَرْتُ لَيْلَكَ وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ) (٢)، وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح فيقول من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق وهو بلفظ (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السمَاءِ بِيضُ الْوُجوهِ كَأَنَّ وُجوهَهُمْ الشَّمْس مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجنَّةِ حَتَّى يَجلِسوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السلَام حَتَّى يَجلِس عِنْدَ رَأْسهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْس الطَّيِّبَةُ اخْرُجي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ، قَالَ: فَتَخْرُج تَسيلُ كَمَا تَسيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السقَاءِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُج مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسكٍ وُجدَتْ عَلَى وَجهِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ:


(١) - صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب فضل قراءة القرآن والبقرة. حديث رقم (١٣٣٨) بلفظ (حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسرَةٌ وَلَا تَستَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السحَرَةُ).
معاني الألفاظ: فرقان: جماعتان أو قطيعان. طير صواف: جمع صافة وهي طير تبسط أجنحتها في الهواء. البطلة: السحرة.
(٢) - سنن أبن ماجة: كتاب الأدب: باب ثواب القرآن. حديث رقم (٣٧٧١) بلفظ (عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَجيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالرَّجلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي أَسهَرْتُ لَيْلَكَ وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ) حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (٣٠٦٣).
أخرجه الدارمي في فضائل القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>