للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مكة في حجة الوداع بقي يقصر الصلوات من يوم وصوله مكة في يوم رابع من شهر ذي الحجة إلى يوم خروجه من مكة في يوم الرابع عشر من شهر ذي الحجة بعد قضائه مناسك الحج وهي عشرة أيام، ولايجمع بين الصلاتين كما في حديث (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَال: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا) (١) وحديث (أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا) (٢) وحديث (أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْماً، يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) (٣)

[عدم جواز إجراء أحكام السفر على من يدرس في غير بلده لمدة شهور]

س: رجل يدرس في غير بلده ويبقى فيه أشهر، فهل يعد نفسه مسافرا تجري عليه أحكام المسافر؟

جـ: أنا أرى أنه ليس بمسافر ولا تجري عليه أحكام المسافر وإن كان بعض العلماء قد قال بهذا القول، ولايجوز للمسافر الذي سيقيم في محل أن يحاسب نفسه محاسبة المسافر إلا إذا كان عازما على البقاء لمدة أربعة أيام أو أقل مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حيث بقي يقصر أربع أيام من ذي الحجة ويوم ثامن طلع منى، أو إذا كان مترددا عشرين يوما مثل عمل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك حيث بقي عشرين يوما وهو متردد بين رجوعه الى المدينة أوبقائه في بلاد الشام.

جواز الجمع والقصر لمن يسافر دائماً

س: إذا حدث أن شخصاً يكون في سفر دائم طيلة أيام السنة، هل تجري عليه أحكام المسافر أو أحكام المقيم؟

جـ: من كان مسافراً تجري عليه أحكام السفر من الفطر والقصر والجمع وغير ذلك أي تجرى عليه الأحكام التي تخص المسافر من الفطر في رمضان مع القضاء وجمع الصلاتين وقصر الرباعية وعدم وجوب صلاة الجمعة سواءً كان المسافر يسافر في الأسبوع مرة أو في الشهر مرة أو في العام أو في أكثر الأعوام أو أنه يسافر طول عمره ولا فرق بين مسافر ومسافر لأن الأدلة الدالة على جواز الإفطار لمن كان مسافراً أو قصر الصلاة الرباعية أو الجمع بين الصلاتين أو عدم وجوب صلاة الجمعة لم تفرق بين من كان يسافر دائماً وبين من كان يسافر في بعض الأحيان، ومن ادعى الفرق بين الأسفار فعليه الدليل الصريح الصحيح الخالي عن المعارضه، ثم إن عليه القضاء في أيام أخر من أيام العام وذلك في الشهر الذي سيتمكن فيه من الصوم مثل الأيام التي في وسط فصل الشتاء لكونها قصيرة ولا يشعر الصائم فيها بالعطش لشدة البرد فإذا لم يتمكن من القضاء وهو مسافر ويخشى مرور العام عليه قبل القضاء فعليه ترك السفر مدة الأيام التي سيقضيها ليتمكن من القضاء، كما أنه لا مانع له أن يصوم رمضان أداءً إذا كان شهر رمضان في الشتاء إذا كان مصراً على أن يسافر طوال العام، أما أنه يترك الصوم بتاتاً أي في أيام رمضان لكونه مسافراً وفي الأيام الأخرى لكونه لا يزال مسافراً فلا يجوز شرعاً لأن ذلك الترك سيؤدي إلى إسقاط فريضة الصوم التي هي ركن من أركان الإسلام القطعية الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.


(١) - صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أنس رضي الله عنه برقم (١٠٨١).
(٢) - صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم (١٠٨٠).
(٣) - سنن أبي داود: كتاب الصلاة: باب إذا أقام بأرض العدو يقصر. حديث رقم (١٢٣٥) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمً، يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.
أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>