للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني: نواقص الوضوء]

[النوم من نواقض الوضوء]

س: إن كثيراً من الحجاج يرقدون وينامون بداخل المساجد ولا سيما مسجد عرفة ومسجد مزدلفة ومسجد منى وبالمسجد الحرام وبالمسجد النبوي، وإذا سمعوا المؤذن قاموا يركعون ويصلون جماعة بدون وضوء ولقد نهينا البعض ممن هو بجوارنا بتلك المحلات فأفادوا قائلين أنهم قد توضؤا قبل الأذان، فهل صلاتهم هذه صحيحة أم غير صحيحة؟

جـ: من نام نوماً عميقاً انتقض وضوؤه ووجب عليه أن يعيد الوضوء من جديد لأنَّ الأدلة قد دلت على هذا، أمَّا من نام نوماً خفيفاً مثل أن يخفق رأسه خفقة واحدة أو خفقتين متواليتين أو خفقات أكثر من الخفقتين ولكنها متفرقة فإن هذه الخفقة أو هاتين الخفقتين المتواليتين أو الخفقات المتفرقات لا تنقض الوضوء عند علماء المذهب الهادوي، أمَّا ما عدا ذلك فالنوم ناقض للوضوء وكذلك من نام وهو جالس على مقعدته ولم يضطجع فإنَّ نومه على هذه الصفة لا ينقض الوضوء عند علماء المذهب الشافعي، أمَّا من كان مضطجعاً حال نومه فإنَّ نومه ينقض الوضوء عندهم، وهناك أقوال أخرى وتفاصيل وتفريعات ذكرها علماء الفقه وشرَّاح الحديث رحمهم الله جميعاً، وقد ذكر جميع الأقوال حول هذه المسألة (الشوكاني) في نيل الأوطار ورجح فيه وفي غيره من مؤلفاته أنَّ النوم الذي لا ينقض الوضوء هو نوم من كان جالساً على مقعدته، وأن النوم الذي ينقض الوضوء هو نوم المضطجع أمَّا غيره فلا ينقض الوضوء عنده وساق الأدلة على ترجيح ما ذهب إليه لأنَّ من اطلع على كتب السنة النبوية لا بُدَّ وأن يعرف أنها قد وردت عدة أحاديث دالة على أنَّ النوم من نواقض الوضوء كما ورد ما يدل على أن الصحابة (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ) (١).

فالإمام الشافعي جمع بين الأحاديث المختلفة بأن عمل بموجب الأحاديث الواردة في هذا الباب الدالة على نقض الوضوء بالنوم مثل حديث (فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) (٢) فيمن نام وهو مضطجع وما ورد مخالفاً لذلك مما يدل على أن النوم لا ينقض الوضوء فيمن نام وهو غير مضطجع جمعاً بين الدليلين لأن الجمع بين الدليلين عند التعارض أولى من الترجيح لأحدهما على الآخر، ويؤيد هذا الجمع ما ورد من الأحاديث الدالة على أن النوم الذي ينقض الوضوء هو نوم المضطجع فيحمل المطلق على المقيد لأن حمل المطلق على المقيد واجب كما هو مقرر في علم الأصول، وما يقال في الأحاديث المقيدة للنوم بكونه حال الاضطجاع من كونها ضعيفة غير صالحة للاحتجاج قد أجاب عنه (الشوكاني) في نيل الأوطار وفي الدراري المضيئة و (صديق حسن خان) في الروضة الندية بأن هذا المقال صحيح ولكن هذا الضعف ينجبر بكثرة طرقها حيث والقاعدة في علم أصول الحديث أن الأحاديث الضعيفة إذا رويت من عدة طرق فإن بعضها يقوي الآخر ويصير الحديث الضعيف من الأحاديث الحسنة لشواهدها لا لذاتها، أما علماء المذهب الهادوي فقد جمعوا بين هذه الأحاديث المختلفة بجمع


(١) صحيح مسلم: كتاب الحيض: باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء. حديث رقم (٥٦٦) بلفظ (عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ، قَالَ: قُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ: إِي وَاللَّهِ).
أخرجه البخاري في الأذان، الاستئذان، والترمذي في الطهارة عن رسول الله، الجمعة عن رسول الله، والنسائي في الإمامة، وأبو داود في الطهارة، الصلاة، وأحمد في باقي مسند الكثرين.
أطراف الحديث: الحيض.
(٢) سنن داود: كتاب الطهارة: باب في الوضوء من النوم. حديث رقم (١٧٥) بلفظ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ). حسنه الألباني في صحيح سنن أبو داود برقم (٢٠٣).
أخرجه ابن ماجة في الطهارة وسننها، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.
معاني الألفاظ الوكاء: الخيط الذي يربط به. … السه: اسم من أسماء الدبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>