للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

س: ماهي أدلة تحريم الغصب في الكتاب والسنة؟

جـ: الغصب محرم بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (١) النهي في الآية يدل على تحريم أكل أو أخذ أموال الغير بالباطل تحريماً قطعياً في دلالته لأنه يفيد تحريم الأكل أو الأخذ أو الا ستيلاء على مال أيِّ مسلم أو ذمي أو معاهد بغير وجه حق، والنهي عن الأكل في الآية يدل على تحريم ما يساوي الأكل في إخراج مال المسلم من ملكيته بغير وجه حق في تملكه سواء بالغصب أو السرقة أو بأيِّ طريقة من طرق التحايل على تملك مال المسلم بغير وجه حق، والنهي في الآية عام يعم تحريم تملك الأموال الخاصة بطريقة غير مشروعة كما يعم تحريم أخذ أو تملك الأموال العامة بطريقة الغلول من الأموال العامة التي تحت ولاية الموظف العام أو بطريق الغصب للممتلكات العامة العقارية أو المنقولة ممن يستخدم نفوذه الرسمي من موظفي الدولة العسكريين أو المدنيين أو من أصحاب النفوذ الشعبي كمشائخ القبائل ومسؤولي الأحزاب والجماعات والطوائف وغيرهم فالنهي عام يعم التملك بغير وجه حق سواء من الأموال الخاصة بالأفراد أو العامة التي هي ملك للمجتمع كله والتي يطلق عليها لفظ (أملاك الدولة)، وأما من السنة فحديث (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) وفي رواية (مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ) في الروايتين دلالة على أن من يغتصب من الأرض شيئا ولو يسيرا قدر شبر من الأرض يطوقه الله عز وجل بسبع أرضين يوم القيامة، وإذ كان الله سيعاقب الغاصب هذا العقاب على اغتصابه قدر شبر من الارض فكيف سيكون عذاب الله وعقابه على ما زاد على الشبر؟!!! ومعنى الحديث أن الأرض التي يغتصبها الغاصب على مالكها في الدنيا يحولها الله عز وجل يوم القيامة إلى طوق على عنقه يعذبه الله به، ويكون العذاب على قدر الذنب، وكلما كبرت الأرض المغصوبة كلما كبر عذاب الغاصب لها في نار جهنم، ومن السنة حديث (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ) ولفظ (أموالكم) جمع مضاف وهو يفيد عموم الأموال الخاصة والأموال العامة فكلها محرمة على من يستولي عليها أو يتملكها بغير وجه حق مشروع.

تحريم اغتصاب أرض مملوكة لصالح أيِّ مصلحة عامة بدون تعويض عادل

س: قام فاعل خير ببناء مدرسة جوار أرضنا وسورها وقام بضم أرضنا توسعة للمدرسة ونحن أيتام قاصرون وقد طلبنا الدولة أو من بنى المدرسة بتعويضنا أو إزالة الاستحداث، فهل يجوز له اغتصاب أرضنا؟

جـ: إن صح ما ذكرتم فما فعله فاعل الخيرلا يجوز لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} و لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)، ولحديث (يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ) (٢) وهذا معروض على


(١) - البقرة: (١٨٨)
(٢) - صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. حديث رقم (٣٦٣٩) بلفظ (حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ: فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ قَالَ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، قَالَ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قَالَ: فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، قَالَ: قَالَ: جَعَلُوا يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَانْصُرْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ)
أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، والترمذي في الصلاة، والنسائي في المساجد، وأحمد في باقي مسند المكثرين.
معاني الألفاظ: الحائط: البستان.

<<  <  ج: ص:  >  >>