س: يوجد شاب يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً وبدأ شعر رأسه يبيًض، فهل يجوز له أن يصبغ شعر رأسه بصباغ اسود لأنه إذا بقي على هذه الحالة فإنه قد يتعرض لكثير من المضايقات من بعض الناس؟
جـ: صبغ شعر الرأس أو الذقن بالصباغ الأسود غير جائز شرعاً لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وقد رأى أبا قحافة (والد أبي بكر الصديق) رضي الله عنهما عند أن أوصله ولده أبو بكر إلى النبي يوم فتح مكة ورأسه أبيض كأنه الثغامه (والثغامه زهر أبيض لا يخالطه لون آخر) قال (غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ) وهذا حديث صحيح وهكذا لما ورد من الوعيد الشديد الذي توعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين يصبغون شعر ذقونهم بالصباغ الأسود حيث قال: (إنه سيأتي قوم يخضبون شعرهم بالسواد كأن ذقونهم حواصل الطير لا يشمون رائحة الجنة أو لا يريحون رائحة الجنة)(١) كما في سنن أبي داود رحمه الله مما يدل على تحريم صباغ الشعر بالصباغ الأسود ولكن ليست هذه المسألة من المسائل القطعية ولا القول بالتحريم من الأقوال التي أجمع عليها علماء الإسلام فقد خالف في هذه المسألة بعض العلماء فذهبوا إلى عدم التحريم ورجحوا القول بالجواز عملاً بالقاعدة الأصولية الدالة على أن التحريم من الأحكام الشرعية والأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل صحيح صريح خال عن المعارضة قالوا ولم يرد دليل صحيح صريح خالٍ عن المعارضة يدل على تحريم الصباغ للرأس أو للذقن بالصباغ الأسود حتى نجعله من المحرًمات والقيام مقام المنع كاف في الاحتجاج ومن ادعى أنه قد ورد دليل صحيح صريح خال عن المعارضة يدل على التحريم فعليه البرهان وأجابوا عن الدليلين المذكورين آنفاً اللذين احتج بهما الأولون على التحريم بأنها ليست صحيحة صريحة في التحريم حتى نذهب إلى التحريم استناداً إليهما لأن الحديث الأول وإن كان صحيحاً من ناحية السند فهو ليس بصريح من ناحية الدلالة لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم (وجنبوه السواد) لا يدل صراحة على التحريم المذكور ولا على وجوب تجنب السواد لمن يريد أن يغير بياض شعر رأسه أو ذقنه لجواز أن يكون الأمر للندب أو للإرشاد حيث الأمر لم يكن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي قحافة نفسه وإنما كان لمن معه من المرافقين له عند وصوله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أنه يحتمل أن يكون الأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لمن كان مرافقاً لأبي قحافه بأن يغيروا بياضه بشيء غير السواد لا يكون عاماً لجميع من كان يريد أن يغير شعر رأسه أو ذقنه بالسواد بل يكون خاصاً بمثل من كان مثل أبي قحافة الذي قد بلغ من الكبر عتياً وأصبح شعر رأسه وذقنه في غاية من البياض الكلي الذي عمَّ جميع شعر رأسه وذقنه ولم يبق من شعره شعرة واحدة سوداء وبقي مدة من الزمن وهو على هذه الصفة وعرفه الناس جميعاً وهو أبيض الشعر فإنه إذا غير شعره فجأة وأصبح في ليلة وضحاها أسود الشعر كأنه جناح غراب بعد أن كان شديد بياض الشعر كأنه ثغامة سيكون منظره غريباً على الناس الذين عرفوه منذ زمن طويل أبيض الشعر حيث كان أبو قحافة في ذلك التاريخ في عشر التسعين أي كان عمره نيفاً وثمانين عاماً فله حوالي ثلاثين عاماً وهو شايب الرأس والذقن هكذا يقول العلامة (محمد رشيد رضا) في المنار أي أنه جعل الأمر المذكور خاصاً بمن كانت حالته مثل حالة أبي قحافة فمفهومه أن من كانت حالته مخالفه لحالة أبي قحافة فلا باس بأن يغير بياضه تدريجاً بالسواد هذا كله بالنسبة إلى الحديث الأول الذي احتج به المانعون من تغيير بياض شعر الرأس أو الذقن بالسواد، أما بالنسبة إلى الحديث الثاني الذي احتج به المانعون من هذا التغيير فقد أجاب عنه المجوزون لهذا التغيير بأنه حديث غير صحيح لأنه وإن كان في سنن أبي داود ففي
(١) سنن أبي داود: كتاب الترجل: باب ما جاء في خضاب السواد. حديث رقم (٤٢١٢) بلفظ (عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود بنفس الرقم.