للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون]

س: في قوله تعالى {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (١) بعض الناس يتوهمون أن الأولياء هم من بنيت على قبورهم (قباب أو مساجد) لذلك فإنهم لجهلهم يتبركون ويتوسلون بأصحاب هذه القبور، ويتناسون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، وأن النافع والضار هو الله وحده، فنطلب ردكم على هذا؟

جـ: قد سبق الرد عليه في العام الماضي والحقيقة أن السائل أو الطالب لمعرفة من هم الأولياء سيجد كل مؤلف من مؤلفي الصوفية يسند أقوالاً في تفسير الأولياء، ومن حاول أن يطلع على تراجم الأولياء ليعرف سيرتهم وعلومهم ومعارفهم سيجد العجائب والغرائب، ويخرج متحيراً مما يحكى عنهم من العجائب والغرائب، ويعرف أن بعض من أُطلق عليهم لفظ أولياء ليسو بأولياء، كما يعرف أن منهم من كانوا أولياء لله حقيقة كما في (طبقات الشعراني)، ولكن من رجع إلى القرآن الكريم لا بد وأن يعرف أن أولياء الله هم الذين آمنوا بالله وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر مهما كانوا متقين الله لأن القرآن قد صرح بذلك التفسير وبين من هم الأولياء أوضح بيان حيث قال {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ثم عقب على هذه الآية الكريمة بآية أخرى تبين معنى هذه الآية حيث قال عز وجل {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} فإن قيل لنا (من هم الأولياء) أو (من هم أولياء الله) فنقول لهم أولياء الله هم {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} فإذا قيل لك قد قال فلان إنهم العلماء أو المتصوفون أو الزهاد فقل لهم أجل لقد قال بعضهم إن أولياء الله هم العلماء وقال آخرون أنهم الزهاد وقال فريق هم رجال الطريقة وهلم جراً، ولكن الله قد قال في محكم كتابه موضحاً من هم الأولياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون إنهم {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، وإذا قيل لك قد رجح فلان أنهم أهل السنة أو رجح فلان أنهم الزهاد أو العبَّاد أو الصوفية، أو أنهم الذين آمنوا بالله وكانوا من المتقين، فليكن جوابك إذا كان فلان قد رأى الأولياء هم رجال السنة ورأى فلان أنهم العبَّاد أو الصوفية فالمسألة خلافية وقد قال الله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ … تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (٢) وقد رددنا هذه الأقوال التي تنازع الناس فيها عن الأولياء، من هم؟ فوجدناه يقول في بيان ما اختلفوا فيه وفي إيضاح ما تنازعوا عليه {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ثم يقول عقب هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} وهذا من باب تفسير القرآن بالقرآن، وإذا رجعنا إلى كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وجدنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول في جواب السؤال الذي سئل به عن الإيمان ما هو قال (الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ) (٣) فيكون ما في الكتاب العزيز


(١) - يونس: (٦٢)
(٢) - يونس: آية (٦٣)
(٣) - صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (٤٨) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، قَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا، إِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الْآيَةَ، ثُمَّ أَدْبَرَ، فَقَالَ: رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ، قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ جَعَلَ ذَلِك كُلَّهُ مِنْ الْإِيمَانِ)
أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وابن ماجه في المقدمة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.
أطراف الحديث: تفسير القرآن الكريم.
معاني الألفاظ: أشراطها: العلامات والدلائل على قرب يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>